إيران.. ما هي أسباب استقالة محمد جواد ظريف؟
أعلن محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، استقالته من منصبه الجديد بعد فترة وجيزة من توليه المسؤولية، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والتكهنات حول الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا القرار المفاجئ. تأتي هذه الاستقالة بعد ساعات من تقديم الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان تشكيلته الحكومية الجديدة إلى البرلمان، مما أضفى على الأمر أهمية خاصة في المشهد السياسي الإيراني.
ظريف، الذي يعد واحداً من أبرز الدبلوماسيين الإيرانيين، شغل منصب وزير الخارجية لمدة ثماني سنوات خلال رئاسة حسن روحاني، حيث لعب دوراً محورياً في المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي الإيراني عام 2015. هذا الاتفاق، الذي كان يعتبر إنجازاً دبلوماسياً كبيراً، رفع من شأن ظريف على الساحة الدولية كدبلوماسي مخضرم ذو مهارات تفاوضية عالية.
مع ترشح بزشكيان للرئاسة بعد حادثة تحطم المروحية التي أودت بحياة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، عاد ظريف إلى دائرة الضوء السياسي مرة أخرى. وبعد فوز بزشكيان في الانتخابات وأدائه القسم أمام البرلمان، تم تعيين ظريف في منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، وهو منصب جديد تم استحداثه ليكون ظريف مسؤولاً عن الإشراف على لجنة استشارية تتولى مهمة اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة.
غير أن الأمور لم تسر كما كان متوقعاً، حيث أعلن ظريف استقالته من منصبه عبر منشور على منصة "إكس" (المعروفة سابقاً بتويتر)، مشيراً إلى أن التشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس بزشكيان إلى البرلمان لم تعكس بالكامل توصيات اللجنة التي كان يشرف عليها. وأوضح ظريف أن اللجنة كانت قد اقترحت 19 مرشحاً لتولي حقائب وزارية، لكن التشكيلة النهائية ضمت فقط 10 من هؤلاء المرشحين. هذا الوضع أثار خيبة أمله ودفعه إلى تقديم استقالته، معبراً عن شعوره بالخذلان لعدم تمكنه من تحقيق رؤية اللجنة التي تضمنت إشراك النساء والشباب والأقليات في الحكومة كما كان قد وعد.
ظريف لم يخفِ استياءه من هذه التطورات، لكنه أكد في الوقت نفسه أن اختيار أعضاء الحكومة هو من صلاحيات الرئيس بزشكيان، وأن اللجنة كانت ذات طابع استشاري فقط. ومع ذلك، عبّر عن أمله في أن يقوم بزشكيان بتعويض النقص في تمثيل النساء والشباب في الحكومة من خلال تعيينات في مناصب نواب الرئيس التي لا تزال شاغرة.
ومن الجدير بالذكر أن التشكيلة الوزارية المقترحة من قبل بزشكيان أثارت جدلاً واسعاً، خاصة بين بعض الأوساط الإصلاحية في إيران، الذين انتقدوا إدراج عدد من الشخصيات المحافظة التي كانت جزءاً من حكومة الرئيس السابق رئيسي. ورغم أن التشكيلة تضمنت امرأة واحدة لتولي وزارة الطرق، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتهدئة الانتقادات التي رأت في التشكيلة استمراراً لسيطرة التيار المحافظ على مفاصل السلطة.
أسباب استقالة ظريف
على صعيد آخر، كشف ظريف في تصريحاته لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" عن تعرضه لضغوط كبيرة منذ تعيينه في منصبه الجديد، بسبب حمل أولاده للجنسية الأميركية، وهو ما ألقى بظلال من الشكوك حول مدى ملاءمته لتولي دور استراتيجي حساس في الحكومة الإيرانية. كما أشار في تصريحاته لموقع "ديدبان إيران" إلى أن قراره بالاستقالة لا ينبع من شعور بالندم أو خيبة الأمل تجاه الرئيس بزشكيان، بل من شكوكه في جدوى تعيينه نائباً استراتيجياً، مشيراً إلى أنه يفضل العودة إلى التدريس الجامعي على البقاء في المنصب الحكومي.
ظريف أضاف في بيانه أن هناك بعض الأطراف المستبعدة من السلطة حاولت استغلال تفسير معين لقانون تم إقراره قبل عامين للضغط على الحكومة وتوجيه انتقادات لها. وأوضح أن استقالته جاءت لتجنب أي شبهة قد تثير الجدل أو تعيق عمل الحكومة، مؤكداً أن قراره كان نابعاً من رغبة في الابتعاد عن المشهد السياسي والتركيز على مجالات أخرى مثل التدريس الأكاديمي.
مصير حكومة مسعود بزشكيان
في النهاية، تركت استقالة ظريف فراغاً كبيراً في الحكومة الإيرانية، وأثارت الكثير من التساؤلات حول مستقبل إدارة بزشكيان، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها إيران. ومع رحيل ظريف، تخسر الحكومة الإيرانية واحداً من أكثر الدبلوماسيين خبرة وحنكة، والذي لعب دوراً حاسماً في تاريخ العلاقات الدولية الإيرانية خلال العقد الماضي.