النقد السياسي لوثيقة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم): الحرب والكارثة الإنسانية الجزء الثاني
بقلم: المستشار خالد رحمة
تحتل الحرب والكارثة الإنسانية مكانًا رئيسيًا في وثيقة الرؤية السياسية التي أصدرتها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، حيث تتناول الوثيقة قضية النزوح الكبير لأكثر من تسعة ملايين سوداني عن ديارهم، مع ما ترتب على ذلك من انهيار في القطاعات الزراعية والرعوية والخدمية، بالإضافة إلى تدهور قطاعات الصحة والتعليم.
تشير الوثيقة إلى التأثيرات الكارثية للنزوح على المجتمع السوداني، خصوصًا في المناطق الأكثر تضررًا مثل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، حيث يُقدر أن ثلث سكان البلاد قد نزحوا عن مناطقهم. وتبرز الوثيقة كذلك الجرائم ضد الإنسانية التي وقعت خلال هذه الحرب، مثل القتل، الاغتصاب، ونهب الممتلكات، مؤكدة على ضرورة المحاسبة الجنائية وعدم الإفلات من العقاب، مع التركيز على أهمية تطبيق العدالة الانتقالية.
وعدت تنسيقية "تقدم" في هذا السياق بالتعاون مع الجهات الخيرية المحلية والدولية لتقديم العون الإنساني وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، كما تعهدت بالضغط على أطراف النزاع لتسهيل العمل الإنساني وحماية العاملين في هذا المجال.
ورغم أن هذا البند يحمل في طياته نوايا حسنة للتخفيف من معاناة الشعب السوداني، إلا أن هناك العديد من الملاحظات النقدية التي يمكن توجيهها:
1. التكرار وغياب الإضافات الجديدة
يتبين أن هذا البند يكرر ما جاء في الديباجة دون إضافة حلول جديدة. فالوعود المقدمة تبدو كإعادة صياغة لما تم ذكره سابقًا دون تقديم خطط عملية لمعالجة الأزمات.
2. التركيز المبالغ على مناطق معينة
بينما تشير الوثيقة إلى معاناة مناطق مثل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، إلا أنها تتجاهل بوضوح الأزمات الكبيرة التي تواجه مناطق أخرى، مثل العاصمة المثلثة وضواحيها ومنطقة الجزيرة. يُظهر هذا التركيز المفرط على مناطق معينة عدم توازن في الطرح، وكأن إدراج تلك المناطق أصبح لازمة ثابتة في أي بيان سياسي يُعدّه كُتّاب الوثيقة.
3. الوصف بدون حلول ملموسة
يتضمن البند الثالث توصيفًا لحال المواطن السوداني وما يعانيه من ويلات الحرب، ولكنه يفتقر إلى تقديم حلول ملموسة أو استراتيجيات واضحة لمعالجة هذه المشكلات. فبدلاً من تقديم خطة عمل شاملة، يكتفي النص بسرد الوقائع المأساوية التي يعرفها الجميع.
4. الاعتماد المفرط على العون الخارجي
يُنتقد بشكل واضح العقلية السائدة في الوثيقة التي تعتمد بشكل أساسي على العون الإنساني الدولي والمساعدات الخارجية لتخفيف الأزمات اليومية. هذا النهج يعكس استمرارًا لسياسات حكومات ما بعد ثورة ديسمبر 2018، التي فضلت الحلول المؤقتة بدلاً من استغلال الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي تملكها البلاد.
5. غياب التركيز على وقف الحرب
بدلاً من توجيه الجهود والضغوط نحو وقف الحرب نفسها وحماية المواطن السوداني، يركز البند الثالث على تسهيل العمل الإنساني وانسياب المساعدات. رغم أهمية هذه الجهود، إلا أن الأولوية يجب أن تكون لإيقاف النزاع وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وهو ما غاب بشكل واضح عن طرح الوثيقة.
الخاتمة
في الختام، يُظهر البند الثالث من وثيقة "تقدم" نوايا حسنة للتخفيف من معاناة الشعب السوداني، لكنه يفتقر إلى الرؤية الشاملة والاستراتيجيات العملية اللازمة لتحقيق السلام والاستقرار. يحتاج السودان إلى جهود تُركز على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة بدلاً من الاكتفاء بالحلول المؤقتة التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.