البرهان والإسلامويون مناورات الخطاب وأزمة الثقة

بقلم: محمد ضياء الدين
في ظل الأزمة المتفاقمة التى تعيشها بلادنا ، أثار خطاب قائد الجيش البرهان بالأمس موجة من التفاعلات المتباينة، خاصة بين المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. عبّر هؤلاء عن استيائهم من تصريحات البرهان التي تضمنت تلميحات إلى أن عودتهم للحكم لن تكون إلا عبر الانتخابات وليس على (أشلاء السودانيين)، معتبرين الخطاب تنكرا لدورهم في دعم الجيش خلال ما يسمى بمعركة (الكرامة).
ورغم هذا الهجوم العلني، بدأ يتضح أكثر فأكثر أن الخلاف بين البرهان والتيار الإسلامي قد لا يكون سوى مناورة سياسية محسوبة، على عكس ما يبدو عليه من تفاعلات. عزز تلك الفرضية ما جاء في بيان حزب المؤتمر الوطني ردا على خطاب البرهان، حيث لم يخلُ البيان من المناورة والتكتيك في خضم موجة التضليل الممنهج ومحاولات التزييف. البيان حمل رسائل مزدوجة، فمن جهة طمأن قاعدة التنظيم الإسلاموي وأكد استمرار وجوده فى المشهد السياسي، ومن جهة أخرى قدم دعما غير مباشر للبرهان، داعيا إلى (توحيد الصفوف) في الحرب.
هذه اللغة دفعت الكثير من المتابعين للتشكيك فى الرسائل المتبادلة بين الطرفين، واعتبار ذلك محاولة لإحياء التحالفات القديمة بين الجيش والإسلاميين، مع استيعاب حلفاء الجيش الجدد الذين تتحفظ الحركة الإسلامية على كثير منهم لكنها تفضل الصمت لاستخدامهم في المعركة، أو بدواعي تحييدهم ومنع عودتهم إلى مواقعهم السابقة. هؤلاء هم من خاطبهم البرهان بالأمس في بورتسودان، حيث يبدو أن هناك إعداداً هادئاً لمشهد سياسي جديد تحت غطاء الحرب ودخان المعارك وتبادل الرسائل التضليلية التي تستهدف الشعب السوداني.
في المقابل، تجاهلت القوى المدنية المناهضة للحرب خطاب البرهان إلى حد كبير، معتبرةً إياه جزءًا من سلسلة مناورات سياسية تهدف إلى ترسيخ حكم فردي للبرهان عبر تعديلات دستورية مرتقبة وتشكيل حكومة تمنح قيادة الجيش وحلفاءه شرعية سياسية مفقودة.
أما المواطن السوداني المثقل بالأزمات المعيشية وويلات الحرب، فقد استعاد ذاكرة مسرحيات الكذب والتضليل السياسي، مثل مقولة (اذهب إلى القصر رئيساً وأنا إلى السجن حبيساً). وبالتجربة، بات يعلم أن حديث (القوم) شيء وحقيقتهم شيء آخر، وأن السياسة بالنسبة لهم ما هي إلا ممارسة للكذب والمكر والخداع، رغم إنهيار مقومات الدولة.
ومع كل ذلك، لا يزال الأمل قائماً في أن تدرك القوى المدنية الديمقراطية خطورة الوضع الراهن، وأن تتحلى بالمسؤولية والعمل التحالفي المشترك لإنهاء الحرب ومعالجة تداعياتها وإستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي الذي يعيد للسودان إستقراره، خاصة مع تزايد الدعوات الشعبية والدولية لإنهاء الحرب والبدء في مرحلة جديدة من البناء والإصلاح.