الفاشر تحت النار.. الحسابات الدولية والأزمة الإنسانية

الفاشر تحت النار.. الحسابات الدولية والأزمة الإنسانية
مدينة الفاشر

بقلم: محمد ضياء الدين

تشهد مدينة الفاشر تصعيدا عسكريا غير مسبوق، حيث تخوض قوات الجيش السوداني، مدعومة ببعض الحركات المسلحة، مواجهات شرسة ضد قوات الدعم السريع. تتسم هذه المعارك بعنف شديد، تتخلله هجمات متبادلة تكبد الطرفين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، مما يعكس تعقيدا متزايدا في ساحة المعركة. رغم الفداحة الإنسانية والمادية، تبدو كل الأطراف عازمة على مواصلة الصراع، وهو ما يوحي بأن الهدف يتجاوز مجرد السيطرة على المدينة إلى محاولة تدمير الخصم بشكل كامل.

عمليا، دخلت مدينة الفاشر مرحلة حرجة يتداخل فيها الصراع المحلي مع حسابات القوى الإقليمية والدولية، مما يلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد بأكملها. تشير المؤشرات السياسية إلى أن التحالف بين الجيش والحركات المسلحة يشهد توترا ملحوظا. فرغم التنسيق العسكري في مواجهة قوات الدعم السريع، إلا أن الخلافات السياسية المتزايدة إذا لم يتم تداركها عاجلا، ستهدد بتقويض فعالية هذا التحالف، مما قد يضعف قدرته على الاحتفاظ بمواقعه في المدينة. يتضح ذلك من الاستهداف المتكرر للقوات المشتركة، بما في ذلك الضربة التي استهدفت مقر قيادة الفرقة السادسة، والتي أثارت تكهنات حول وجود صراعات خفية قد تسعى لإعادة تشكيل موازين القوى الداخلية.

إلا أن الحدث الأبرز في هذا السياق هو القصف الجوي على مقر الفرقة السادسة، والذي أعلنت الحكومة أنه (خطأ)، لكن بعض التفسيرات تشير إلى احتمالات أخرى تتعلق بإعادة ترتيب التحالفات الداخلية. هذا التطور قد يزيد من صعوبة التنسيق بين القوات المتحالفة في مواجهة قوات الدعم السريع، التي على الرغم من تكبدها خسائر كبيرة في صفوف قياداتها ومعداتها، لا تزال مصرّة على الاستمرار في الهجوم. الإصرار على هذه الاستراتيجية الهجومية، رغم الخسائر الكبيرة، يعكس عناد الدعم السريع ورغبته فى إستلام كامل دارفور، مما يساهم في إطالة أمد الصراع.

في خضم هذه التطورات، يبدو أن التدخلات الدولية والإقليمية، رغم غياب التصريحات الرسمية، تلعب دورا خفيا لكنه فعال في توجيه مسار الأحداث. إن الدعم اللوجستي والمعلوماتي الذي تقدمه بعض الدول للأطراف المتنازعة يعمق تعقيدات المشهد ويزيد من أمد الصراع. من المؤكد أن الفاشر أصبحت ساحة لصراع نفوذ إقليمي ودولي، ما يجعل الحلول السياسية المستقبلية أكثر تعقيدا. إذ أن مآلات هذا الصراع لن تتوقف عند قدرة الأطراف المحلية على التفاوض أو الحسم العسكري، بل ستعتمد أيضا على توافقات المصالح الإقليمية والدولية.

ومع استمرار المعارك وتصاعد التوترات بين الجيش والحركات المسلحة، تتزايد المخاوف بشأن مستقبل الفاشر ودارفور بشكل عام. فتعثر التوصل إلى حل تفاوضي لإنهاء النزاع وتحقيق السلام الشامل يعمق الأزمة، ويزيد من إحتمال تفجر صراعات أخرى في مناطق متعددة من البلاد، مما قد يؤدي إلى إنقسام فعلي للبلاد، لا قدر الله.

على الصعيد الإنساني، تتفاقم معاناة سكان الفاشر بشكل مستمر. الحصار والقصف العشوائي جعلا من الحصول على الإمدادات الأساسية كالطعام والدواء أمرا بالغ الصعوبة.رغم الجهود الدولية والمبادرات المحلية، على راسها مبادرة الفاشر التي تقدم بها كمرد عبدالواحد محمد النور ، والتى وجدت إستجابة واسعة من قوى ورموز وطنية إلا أن الواقع لا يشير إلى تقدم ملموس في هذا الجانب .

 ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، يتزايد نزوح المدنيين إلى مناطق أكثر أماناً، مما يعمق الكارثة الإنسانية التي باتت جزءا لا يتجزأ من الصراع العسكري والسياسي.

في نهاية المطاف، عمليا تحولت الفاشر إلى رمز للصراع المعقد الذي يعصف بالبلاد، حيث تداخلت العوامل العسكرية والسياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما جعل من الصعب التنبؤ بمستقبل المدينة أو المنطقة ككل. هذه التعقيدات ستظل تلقي بظلالها على البلاد، وتزيد من صعوبة الوصول إلى حلول سلمية ما لم يحدث اختراق حاسم، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، يمكنه تغيير مسار الصراع.