كمال دفع الله بخيت يكتب: الروح الأبيقورية السودانية بين المفاهيم و المدلولات

بقلم: كمال دفع الله بخيت
الأبيقورية، أو المذهب الأبيقوري، ينسب إلى الفيلسوف اليوناني أبيقور (340 ق.م - 270 ق.م)، الذي قام بتأسيس فلسفة ترتكز على أن اللذة هي الخير الأسمى، بينما الألم هو الشر الأقصى. ومع ذلك، لم تكن اللذة عند أبيقور مقصورة على الملذات الحسية، بل كانت تعبر عن التحرر من الألم والاضطراب العاطفي. فقد أكد أبيقور أن تحقيق السعادة واللذة الحقيقية يأتي من خلال ممارسة الفضيلة وتعزيز الأخلاق.
الأبيقورية والسياق السوداني
في الإطار السوداني والإسلامي، يمكن استيعاب عناصر المذهب الأبيقوري بما يتماشى مع القيم الثقافية والدينية. إذ أن تركيز الأبيقورية على الفضيلة والاعتدال يتماشى مع التعاليم الإسلامية التي تشجع على التمتع بالحياة ضمن إطار الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والروحية.
في هذا السياق، يمكن القول إن اللذة الحقيقية تُستمد من الأعمال الخيرة، العلاقات الإنسانية المتينة، والمشاركة في بناء مجتمع متماسك يقوم على الرحمة والتسامح، ويعزز قيم التعاون والتضامن.
مدلولات الروح الأبيقورية السودانية
تشير الروح الأبيقورية السودانية إلى نمط حياة يقوم على تقدير الحياة والتمتع باللحظات الجميلة، معززة بعمق روحي وإنساني. يمكن تلخيص مدلولاتها في:
1. البساطة والفرح: تقدير الأشياء اليومية والتمتع بها مما يعزز الشعور بالسعادة والامتنان.
2. التواصل الاجتماعي: بناء العلاقات الإنسانية القوية التي تسهم في خلق مجتمع مترابط.
3. الاحتفاء بالتراث الثقافي: تعزيز الهوية الثقافية من خلال الموسيقى، الذكر، والرقص، كعناصر أساسية لتجربة الجماعة.
مكونات الروح الأبيقورية السودانية
تتمثل الروح الأبيقورية السودانية في عدة عناصر رئيسية:
1. التراث الثقافي: يشمل الفنون الشعبية، الأغاني، أدب المديح، والقصص الشفهية التي تعزز الهوية الثقافية السودانية.
2. القيم الاجتماعية: كرم الضيافة والاحترام المتبادل، وهما قيمتان رئيسيتان في بناء مجتمع متماسك.
3. تجارب الطعام: تعد موائد الطعام في المناسبات الاجتماعية وسيلة لتعزيز الروابط الإنسانية، سواء في الأفراح، الأتراح، الأعياد، أو إفطار رمضان.
مجسدات الروح الأبيقورية
تتجسد الروح الأبيقورية السودانية في:
1. المناسبات الاجتماعية: مثل الأعراس، المهرجانات، والاحتفالات القومية التي تعزز شعور الانتماء.
2. الفنون الشعبية: المهرجانات الموسيقية والرقصات التقليدية التي تسهم في الاحتفاء بالتراث الثقافي.
3. الأدب والشعر: كأدوات للتعبير عن التجارب الإنسانية المشتركة وتعزيز الهوية الجماعية.
دور الروح الأبيقورية في نبذ العنف والكراهية
تساهم الروح الأبيقورية السودانية بشكل فعّال في تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل، مما يساعد في نبذ العنف، الكراهية، والعنصرية. كما تعمل على تعزيز الهوية المشتركة وتقليل النزاعات بين الفئات المختلفة، من خلال التركيز على قيم الفرح، التعاون، والتواصل الاجتماعي.
ورغم غنى هذه الروح بالقيم الإيجابية التي تدعم السلم الاجتماعي، يظل السؤال المطروح: كيف يمكن لمجتمع يتمتع بمثل هذه الروح أن يسقط في هاوية الحروب والبغضاء؟
الخاتمة
تمثل الروح الأبيقورية السودانية مصدر إلهام وقوة تجمع الأفراد وتعزز من قيم الحياة الإيجابية. ومن خلال التركيز على بناء مجتمع متماسك يقوم على السلام والتنمية، يمكن لهذه الروح أن تكون عاملًا محوريًا في مواجهة التحديات الوطنية والعمل نحو مستقبل أفضل.