النوبيون: صمود الحضارة في وجه التهديدات

النوبيون: صمود الحضارة في وجه التهديدات
النوبة

بقلم: محمد عثمان بشير 

الحضارة النوبية كانت وما زالت رمزًا للبقاء والصمود، رغم المحاولات المتكررة لطمسها وإزالتها من الوجود. حكومات مثل المؤتمر الوطني عملت خلف الكواليس لتنفيذ خطط تستهدف تدمير هذه الحضارة العريقة، وذلك من خلال إقامة السدود التي أغرقت أراضٍ نوبية تاريخية، والآن تكشفت نواياهم بإدخال التنقيب العشوائي، حيث سُمح للمواطنين بالتنقيب عن المعادن باستخدام مواد خطرة مثل السيانيد والزئبق، ما يهدد حياة الإنسان والحيوان والنبات.

تم تنفيذ هذه الخطط بدقة وعناية، حيث تم السماح بالتنقيب العشوائي أولاً، ثم دخلت الشركات الكبرى مع المواد السامة، مما أدى إلى تلوث المنطقة وتهديد صحة السكان. هذه المنطقة التي تمثل جزءًا من شمال السودان، تواجه اليوم خطرًا كبيرًا بعد أن جرفت السيول مواقع التنقيب العشوائي، مما أدى إلى انتشار السموم في النيل على امتداد ألف كيلومتر تقريبًا، من أبوحمد مرورًا بمروي والدبة ودنقلا والمحس والسكوت ووادي حلفا وصولًا إلى تخوم مصر.

نناشد المسؤولين في مصر والسودان بالتدخل الفوري، وندعو المنظمات الدولية لحقوق الإنسان للقيام بفحوصات دقيقة للماء والتربة والثروة السمكية، وفرض رقابة دولية على استخدام المواد السامة في التنقيب، وذلك لحماية البيئة وسكان المنطقة.

حلفا، تلك المدينة التاريخية التي كانت يومًا ما عروس النيل وبوابة الإسلام في السودان، لا تزال تئن تحت وطأة المياه، وأهلها يعانون من تبعات الاختيارات الخاطئة التي لم تجلب لهم سوى الندم. اليوم، نقف متضامنين مع دال وكجبار، لمنع تكرار مأساة الماضي وحماية المنطقة من الغرق مجددًا.

في هذا الوقت العصيب، حيث تهب الرياح العاتية وتنتشر أسراب الجراد التي تهدد ما تبقى من خضرة في المنطقة، فإننا بعزم الرجال والنساء، وبالتعاون مع الشباب، سنقف في وجه هذه التحديات لحماية ما زرعه الأجداد من أجل الأجيال القادمة.

من أعماق المعاناة، ومن صرخات الثكالى واليتامى، نطلق نداءً لإنقاذ النوبة، تلك المنطقة التي تعد رواق إفريقيا، وكنزًا من الثقافات والصناعات والمعارف التي سادت في الأزمان النبتية والمروية والكوشية. محاولات طمس هذه الحضارة وتمزيق أهلها لن تنجح طالما نقف متحدين كالجسد الواحد، متمسكين بحقوقنا المشروعة، وسنواصل الدفاع عنها دون كلل أو ملل.

يا من تحمل الصبر، لا تدع الشدائد تثنيك، واستفد مما مررنا به لتواجه التحديات المقبلة. سلّم أمرك إلينا، فنحن الأولى بحمايتك والدفاع عن حقوقك.