الفاشر.. معركة البقاء وكرامة الوطن

الفاشر.. معركة البقاء وكرامة الوطن
الفاشر - وادي النيل

بقلم: د. حسن شايب دنقس – مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والاستراتيجية

الفاشر، قلب دارفور النابض وملتقى التعايش والتنوع، تقف اليوم على شفا كارثة إنسانية وأمنية غير مسبوقة، تحت وطأة هجمات متواصلة تشنها مليشيا الدعم السريع، في محاولة لإخضاع المدينة بالعنف والترويع. هذه اللحظة المفصلية تستدعي وقفة وطنية وأخلاقية جادة، لإنقاذ المدينة من السقوط في قبضة الفوضى والتطرف.

الخطوة الأولى والأساسية تكمن في تقديم الدعم الكامل للقوات المسلحة والقوات المشتركة، التي تمثل خط الدفاع الأخير أمام الانهيار الشامل. ورغم الضغوط الهائلة، تواصل هذه القوات صمودها، مدركة أن الفاشر ليست مجرد مدينة، بل رمز لصمود دارفور وأمل للسودان كله.

ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية حسم وجود المليشيا في منطقة بارا ومحيطها، التي تشكل العمق الاستراتيجي لتحركات الجيش نحو استعادة السيطرة على الفاشر، بل وعلى كامل الإقليم. تعزيز القدرات العسكرية واللوجستية والتنسيق الميداني الفعال بين الوحدات يمكن أن يشكل نقطة تحول حاسمة في المعركة.

وفي موازاة الجهد العسكري، لا بد من تفعيل البُعد الإعلامي، ليأخذ دوره الريادي في فضح جرائم المليشيا وداعميها، إقليميًا ودوليًا. فالمعركة على الفاشر ليست محلية فقط، بل تتقاطع مع مصالح وتحالفات تشهد انكشافًا أخلاقيًا وسياسيًا أمام العالم. لقد آن الأوان لوسائل الإعلام أن تصدح بالحقيقة وتكسر طوق التضليل، فالصمت الآن خيانة.

ولا تكتمل معركة الكرامة من دون تعبئة شعبية واعية، تنضوي تحت لواء القوات المسلحة والنظامية، في مقاومة موحدة تقف في وجه التفتيت والخراب. فالمعركة على الفاشر ليست فقط معركة سلاح، بل معركة وعي، ووجود، وإرادة.

على الصعيد الإنساني، الفاشر اليوم تحتاج إلى شريان حياة عاجل. يجب فتح ممرات آمنة لإدخال الإغاثة، والضغط إقليميًا ودوليًا على القوى التي ما تزال تسلح وتغذي هذا الصراع، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي والإنساني. من دون غذاء ودواء، لن تصمد المدينة، وسينهار ما تبقى من نسيجها الاجتماعي تحت وطأة الجوع والمرض.

إن الفاشر، بتاريخها، وعمقها، ورمزيتها، تستغيث. معركتها اليوم جزء لا يتجزأ من معركة السودان كله من أجل البقاء والسيادة والكرامة. من لا يدرك هذه الحقيقة، فلينصت إلى صرخات الأمهات، وأنين الجرحى، وأصوات الأطفال الذين لم يعرفوا من الطفولة إلا رائحة البارود.

ما ينبغي فعله لإنقاذ الفاشر ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب إيمانًا بأنها تستحق الإنقاذ، ويتطلب تحركًا عاجلًا، لا تردد فيه ولا مساومة. الفاشر لا تعرف أنصاف الحلول، ولا تحتمل الانتظار.

الفاشر الآن... في قلب المعركة، وفي صدارة التاريخ.