كمال دفع الله بخيت يكتب: عودة الحمائية في عهد ترامب 2025

قراءة تحليلية في تداعيات الرسوم الجمركية على النظام التجاري العالمي

كمال دفع الله بخيت يكتب:  عودة الحمائية في عهد ترامب 2025
دونالد ترمب الرئيس الأمريكي - وادي النيل

بقلم: د. كمال دفع الله بخيت، باحث في العلاقات الدولية والتنمية

مع بداية عام 2025، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وفي واحدة من أولى خطواته، أعاد ترامب إحياء توجهاته الحمائية عبر فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، و25% على السيارات المستوردة.

لم يكن هذا الإجراء مجرد قرار اقتصادي، بل تحول جيوسياسي يؤشر إلى تغير في تموضع واشنطن داخل النظام التجاري العالمي.

حكم قضائي يهز السلطة التنفيذية

في 28 مايو 2025، أصدرت المحكمة الأمريكية للتجارة الدولية حكمًا تاريخيًا بإبطال تلك الرسوم، معتبرة أنها تجاوز للسلطة التنفيذية ومخالفة للدستور، الذي يمنح الكونغرس صلاحية تنظيم التجارة الخارجية.

هذا القرار القضائي لم يكن مجرد فصل في نزاع داخلي، بل شكّل لحظة كاشفة عن التوازنات الدستورية داخل الدولة الأمريكية، وعن مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل صعود النزعة القومية.

السيادة الاقتصادية أم تغوّل السلطة التنفيذية؟

اعتمد ترامب في فرض الرسوم على قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977، مدعيًا وجود تهديدات طارئة للأمن القومي.

لكن المحكمة رفضت هذا التبرير، واعتبرته تفسيرًا تعسفيًا لسياق لا يرقى إلى مستوى الطوارئ.

 "توسيع صلاحيات الرئيس باسم الأمن القومي يهدد بتحويل الجمهورية الأمريكية إلى نظام سلطوي مقنّع"

– بروس أكرمان، أستاذ القانون الدستوري بجامعة ييل

بهذا الحكم، تؤكد الديمقراطية الأمريكية قدرتها على تصحيح المسار، حتى في وجه أكثر الرؤساء إثارة للجدل.

التكلفة الاقتصادية... تضخم بدل الانتعاش

من الناحية الاقتصادية، كانت النتائج سريعة ومقلقة:

ارتفاع متوسط الأسعار بنسبة 3.1% خلال 3 أشهر فقط

تراجع الطلب في قطاعات السيارات والإلكترونيات

شركات كبرى مثل Walmart وBest Buy خفضت وارداتها وأعادت هيكلة سلاسل الإمداد

وبحسب تقرير لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي (PIIE)، فإن الرسوم الجديدة قد تكلف الاقتصاد الأمريكي نحو 195 مليار دولار سنويًا، وهي خسائر تفوق تلك التي تكبّدتها واشنطن خلال النزاع التجاري مع الصين (2018-2020).

 "التعريفات لا تعيد الوظائف، بل تعيد التضخم. إنها تقوّض التنافسية الأمريكية"

– جوزيف ستيغليتز، اقتصادي حائز على نوبل

تحول الحلفاء إلى خصوم

جاءت ردود الفعل الدولية سريعة وحازمة:

الاتحاد الأوروبي أعلن عزمه فرض رسوم انتقامية

كندا وصفت القرار بأنه "طعنة في ظهر الشراكة"

الصين اتهمت الولايات المتحدة بخرق قواعد منظمة التجارة العالمية

ويحذّر خبراء من مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تفكك تدريجي للنظام التجاري الليبرالي، مما يُنذر بتراجع شامل للعولمة كما نعرفها.

الشارع الأمريكي... احتجاجات ورفض سياسي

الجدل لم يبق داخل المؤسسات فقط، بل خرج إلى الشارع والرأي العام.

فقد شهدت مدن مثل ديترويت وشيكاغو مظاهرات نظمها عمال ومستهلكون، احتجاجًا على تراجع القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار السلع.

كما أعرب نواب من الحزب الجمهوري المعتدل عن قلقهم، واعتبروا الإجراءات ابتزازًا اقتصاديًا للمواطن الأمريكي.

ومع اقتراب الانتخابات التمهيدية لعام 2026، يُتوقع أن تتحول قضية الرسوم الجمركية إلى محور أساسي في الجدل السياسي الأمريكي.

ثلاثة سيناريوهات للمستقبل

تلوح في الأفق ثلاثة سيناريوهات محتملة:

1. التصعيد التنفيذي: يتجاهل ترامب الحكم ويبحث عن طرق بديلة لفرض الرسوم

2. الاحتواء المؤسسي: الكونغرس يتحرك لتقليص صلاحيات الرئيس التجارية

3. الحل التفاوضي: التوصل إلى صفقة عالمية جديدة توازن بين المصالح الأمريكية واستقرار النظام التجاري

ويبقى العامل الحاسم هو قدرة المؤسسات الأمريكية على تقييد السلطة التنفيذية في وجه النزعات الشعبوية.

 النظام التجاري أمام اختبار البقاء

الحكم القضائي ضد رسوم ترامب ليس مجرد سابقة قانونية، بل جرس إنذار دولي بشأن هشاشة النظام التجاري العالمي أمام صعود الشعبوية والانعزالية.

السؤال الجوهري لم يعد: هل سيتراجع ترامب؟

بل: هل سيصمد النظام الدولي أمام هذا المد القومي الجديد؟

في ظل هذه التحديات، نحتاج إلى إعادة تقييم دور القانون الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف لضمان ألا يصبح مستقبل الاقتصاد العالمي رهينة نزوات سياسية وانتخابات داخلية.