حرب إسرائيلية مزدوجة تستهدف «المقاومة والاعتدال» معًا

بقلم: د. ذيب القرالة
في خضم المشهد الدموي الذي يخيّم على المنطقة منذ قرابة عشرين شهراً، تواصل إسرائيل شنّ حروبها المفتوحة ضد عدد من الدول والمناطق، أبرزها غزة ولبنان واليمن وسوريا. ورغم أن الرواية الشائعة، سواء من بعض الدول الغربية أو من فئات داخل المجتمعات العربية – بمن فيهم بعض النخب – تروّج لفكرة أن هذه الحرب تستهدف فقط ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، فإن الواقع يُظهر وجهًا آخر من المعادلة لا يقل خطورة: حرب سياسية موازية تستهدف محور "الاعتدال" العربي.
استهداف مزدوج: السلاح ضد المقاومة... والسياسة ضد الاعتدال
صحيح أن الحرب العسكرية تطال أذرع "المقاومة"، إلا أن الحرب السياسية التي تخوضها إسرائيل ضد الدول العربية الساعية للسلام، تُعد أكثر خبثًا وخطورة. والدليل الأبرز جاء مؤخرًا عندما منعت إسرائيل وفدًا دبلوماسيًا عربيًا – يضم أربعة وزراء خارجية عرب من دول الاعتدال إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية – من زيارة رام الله ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
هذه الحادثة لم تكن مجرد عرقلة دبلوماسية عابرة، بل تمثل فصلًا جديدًا من حرب سياسية ممنهجة ضد المعتدلين العرب، تتضح ملامحها في عدة محاور:
أولًا: استهداف مباشر لمصر عبر غزة
الحرب الإسرائيلية على غزة لا تهدف فقط إلى القضاء على المقاومة، بل تتعمد خلق كارثة إنسانية تدفع سكان القطاع باتجاه الحدود المصرية. بهذه الطريقة، تأمل إسرائيل في تحقيق التهجير القسري للفلسطينيين، ما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر.
ثانيًا: تهديد الأردن عبر الضفة الغربية
الانتهاكات المستمرة بحق سكان الضفة الغربية تنذر بمخطط مشابه، حيث تسعى إسرائيل، بعد "حسم" ملف غزة، إلى دفع الفلسطينيين نحو الأردن – الجهة الجغرافية الوحيدة المتاحة لهم. وقد اعتبر الأردن هذا السيناريو بمثابة إعلان حرب، وحذّر مرارًا من مخاطره على استقراره وسيادته.
ثالثًا: استهداف غير مباشر لدول الخليج
رغم غياب التماس الجغرافي بين إسرائيل ودول الخليج، إلا أن الأخيرة لم تسلم من الحملات الإسرائيلية. فقد تحدث مسؤولون إسرائيليون عن إمكانية توطين الغزيين في السعودية، واتهموا قطر بدعم وتمويل حركة حماس، في محاولة لخلط الأوراق السياسية وضرب علاقات الدول الخليجية بالقضية الفلسطينية.
رابعًا: التضييق على السلطة الفلسطينية
المفارقة الكبرى أن إسرائيل، وهي تحارب حماس باعتبارها من "المقاومة"، لا تتوانى عن تضييق الخناق على السلطة الوطنية الفلسطينية، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، ما يكشف عن رغبة إسرائيلية في تقويض كل ما تبقى من شرعيات فلسطينية، سواء أكانت مقاومة أو معتدلة.
لماذا تحارب إسرائيل الجميع؟
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لا تفرق إسرائيل بين معتدل ومقاوم؟
الجواب واضح: لأنها دولة احتلالية ذات عقيدة إقصائية، تُدار اليوم من قبل تحالف يميني متطرف يهيمن على الحكومة والمعارضة ومفاصل الدولة العميقة. هذا الكيان لا يريد السلام، ولا يقبل بوجود شريك عربي قوي، سواء كان يحمل البندقية أو يحمل ورقة التفاوض.
إن إسرائيل، اليوم، تسعى لاغتنام اللحظة الإقليمية والدولية المناسبة لها، من أجل فرض هيمنتها على المنطقة، وتنفيذ مخططاتها التوسعية بلا تكلفة، وسط انقسام عربي وتراخٍ دولي.
خاتمة
إن ما يجري ليس فقط حربًا ضد "المقاومة" بل ضد المشروع العربي برمّته، بكل ما يحمله من تنوع في الوسائل والمواقف. والرهان الحقيقي الآن، ليس على اختيارات الأطراف، بل على إدراكهم لحقيقة أن إسرائيل لا تميز بين من يرفع السلاح ومن يمد يد السلام، بل تسعى لتحطيم كل ما يعارض مشروعها الاحتلالي، ولو اختلفت الأساليب واللغات.