إشكالية الكتابة الأدبية في ظل الأزمات: بين الإبداع والتجاوز

إشكالية الكتابة الأدبية في ظل الأزمات: بين الإبداع والتجاوز
الكتابة الأدبية - وادي النيل

بقلم: د. كمال دفع الله بخيت

في ظل ما تعيشه العديد من الدول، ومنها السودان، من أزمات سياسية واجتماعية عميقة، تبقى الكتابة الأدبية في واجهة الأسئلة الكبرى حول دورها في مثل هذه اللحظات المفصلية. فبينما يُنتظر من الكتّاب أن يلامسوا جوهر المعاناة، وينقلوا هموم الناس، نلحظ في أحيان كثيرة ميلاً نحو موضوعات مثيرة للجدل، سطحية في تناولها، بعيدة عن مسؤولية التعبير الجاد والواعي.

ومن الأمثلة التي أثارت ضجة مؤخراً، رواية بعنوان "الحب بين أفخاذي" للكاتبة السودانية داليا الياس، المقيمة حالياً في القاهرة. الرواية تسرد قصص نساء متزوجات يخضن علاقات خارج إطار الزواج، في محاولة لتقديم ما يبدو أنه كشف اجتماعي جريء، إلا أنه – في تقديري – يأتي في توقيت يُحرج الحس الإبداعي، ويُثير الكثير من التساؤلات حول أخلاقيات الطرح ومقاصده.

سطوة السوق أم فقر الرؤية؟

هذا النمط من الكتابة يطرح إشكالية جوهرية: هل تركيز بعض الكتّاب على العلاقات الحميمة يعكس فقرًا في الجذور الثقافية والفكرية؟ أم أنه مجرد استجابة لضغط السوق، الذي يلهث وراء المثير والصادم على حساب العميق والمُلهِم؟

في لحظات الأزمات الكبرى، كالحروب والانقسامات الأهلية، تحتاج المجتمعات إلى أدب يُحفز الوعي، لا أدب يلهب النقاشات السطحية على وسائل التواصل.

مسؤولية الكلمة في زمن الانقسام

إن الكتابة ليست ترفاً إبداعياً في مثل هذه الأوقات، بل هي مسؤولية أخلاقية وثقافية. وبدلاً من الانجرار خلف الإثارة والجدل، يجب أن تكون الكلمة جسراً للتأمل، وسلاحًا ناعمًا ضد التشظي الاجتماعي.

فما الجدوى من تسويق روايات تلهب الفضول دون أن تقدم أي إسهام حقيقي في فهم الأزمة أو دعم مشروع التغيير؟

تحديات الأدباء أمام اختبار الحقيقة

أمام الكتّاب اليوم اختبار واضح:

إما أن يكونوا صوتًا للحقيقة، يعبر عن آمال شعوبهم، ويعزز من قيم التماسك والأمل.

أو ينساقوا إلى مسارات تُكرس للاستهلاك البصري، وتُقوّض المعنى العميق للكتابة.

المجتمعات لا تحتاج إلى صخب العناوين، بل إلى أصوات تُعيد تشكيل المخيلة، وتفتح نوافذ جديدة على المستقبل.

الكتابة كفعل مقاومة

في النهاية، تبقى الكلمة الحرة مسؤولة أمام ضميرها، وأمام شعبها. فإما أن تتحول إلى فعل مقاومة ضد الظلم والتفكك، أو تُستخدم كأداة لتمرير القيم السطحية وتسليع الألم.

وحده الزمن سيحكم على الكتّاب، لا بمدى شهرتهم، بل بمدى صدقهم في التعبير عن الحقيقة والسعي نحو إنسانية لا تخضع للمقايضة.

هل نحن اليوم أمام أدب يُجسد الضياع؟

أم أنه بداية طريق نحو وعي جديد يعيد بناء الإنسان والمجتمع معًا؟