مؤثرات الحياة الرقمية بعد الموت

مؤثرات الحياة الرقمية بعد الموت
مؤثرات الحياة الرقمية بعد الموت

بقلم الدكتور كمال دفع الله بخيت

سمعنا جميعا بالقول القديم الموروث الذي ينص على أن "النمر يترك جلده عندما يموت، والإنسان يترك اسمه بعد الموت"، ومع عصرنا الرقمي الذي تسرع فيه خطى التطور التقني بخطوات عملاق، قد نرى قريبا تحديثا للقول الموروث سالف الذكر وتحويله إلى أن "النمر" يترك جلده عندما يموت، والإنسان يترك بياناته الرقمية بعد الموت وعلى عكس البقايا الجسدية، التي تتلاشى مع الأيام، فإن البيانات الرقمية لا تتلاشى، مما أصبح حاليا يثير اهتماما متزايدا في كيفية إدارة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للأشخاص المتوفين.

 ففي الماضي، كانت أعمال العلماء والأدباء واليوميات والمذكرات الشخصية للشخصيات البارزة تعتبر سجلا تاريخيا قيما. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح حتى الأفراد العاديين يتركون سجلا شخصيا عبر الإنترنت، ونتيجة لذلك، يمكن استخدام منشورات المتوفين كبيانات تاريخية للباحثين وكأساس لاستخدامات تجارية مختلفة، مثل التذكارات التي يديرها الذكاء الاصطناعي.

وتشير التوقعات المتداولة أن تزداد حسابات المتوفين على وسائل التواصل الاجتماعي مع مرور الوقت فمثلا، بدأت إدارة فيسبوك، وهي واحدة من أبرز منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بالسماح بالتسجيل باستخدام عنوان بريد إلكتروني فقط منذ سبتمبر 2006.

 وبناء على متوسط عمر الإنسان، من المتوقع أن تشهد الحسابات التي توفى أصحابها زيادة حادة، حيث يتوقع كارل أوهمنا، الأستاذ الجامعي ومؤلف كتاب "ما بعد حياة البيانات"، أن تصل فيسبوك إلى 1.200 مليار مستخدم متوفى بحلول عام 2060، وإلى 4.9 مليارات مستخدم بحلول نهاية القرن الحالي.

وتشير هذه الأرقام إمكانية حدوث توسع سريع قد يؤدي إلى إنشاء ما يمكن أن يوصف بأنه "مقبرة رقمية" ضخمة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، قد تفوق حسابات المستخدمين الأحياء بحلول بداية القرن ال 22 من المتوقع أن تتبع اتجاهات مماثلة على منصات أخرى مثلا "أكس" والمعروفة سابقا بتوتير، وإنستغرام..

ويعتبر حذف حسابات المتوفين ليس أمراً مستحيلاً، حيث تسمح إدارة فيسبوك لأسرة المتوفى أو الأشخاص المعينين بحذف الحساب عن طريق تقديم وصية أو شهادة وفاة.

وتتوفر عمليات مماثلة في حسابات (أكس) وحسابات غوغل، حيث يمكن لأفراد الأسرة المباشرين طلب الحذف. ومع ذلك، يظل العديد من الحسابات المتوفية بلا حذف لأن العائلات غالباً ما تختار الاحتفاظ بها كمساحة رقمية للذكريات، أو ببساطة لا تطلب الحذف، مما يؤدي إلى ترك هذه الحسابات بشكل فعلي.

ويعتقد العلماء أن المنشورات والصور التي يتركها المتوفون على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون سجلات تاريخية ثمينة في المستقبل، مثلما ترى فيونا كاميرون مؤلفة كتاب "مستقبل البيانات الرقمية والتراث والتنسيق"، حيث تعتقد أن للمنشورات على إنستغرام أو أكس قيمة تراثية ثقافية تستحق الحفاظ عليها مثل تلك التي يتركها من ل هم تاثير في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والادارية حيث توفر سجلات لإدائهم خلال توليهم المسؤوليات والمهام.

كما يلاحظ البعض إمكانية أن تلتقط المعلومات التي تركها المتوفون مشاعر عالمية وسلوكيات واتجاهات من عصرهم، وبالتالي فهي قيمة كوثيقة تاريخية.

وتعج وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات حول قضايا سياسية واجتماعية حساسة، مثل الربيع العربي وحركة أنا أيضا " مي تو" لمكافحة التحرش ضد السيدات، وحملة الأرواح السوداء.

حيث تعتبر هذه المنشورات بيانات عامة. بالتالي, وكما تساهم الجثث المتبرع بها في تقدم العلوم الطبية، يمكن أن توفر الآثار الرقمية للأفراد المتوفين رؤى قيمة للعلماء الاجتماعيين والمؤرخين. ويدعم بعض الخبراء ضرورة منح حقوق الوصول إلى هذه البيانات.

هناك حالات حاول فيها بعض الاشخاص التواصل مع أفراد الأسرة المتوفين أو أحبائهم من خلال كتاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد ظهرت روبوتات الدردشة التي تُعرف أيضاً بالنيكرومانسية أو الثانابوتس لتسهيل ذلك.

وتتيح هذه الخدمات للمستخدمين الدخول في محادثات نصية مع المتوفين عن طريق تدريب الذكاء الاصطناعي على بياناتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فمثلا في عام 2020، أستخدم جوشوا باربو من مدينة تورونتو برنامج لعبة مستند إلى (جات جي بي تي) للتحدث مع صديقته المتوفاة، جيسيكا بيريرا ، باستخدام منشوراتها على فيسبوك لنسخ طريقة حديثها.

ومع ذلك، يُرى نقاد لهذا التوجه، أن مثل هذه "النيكرومانسية " باستخدام الذكاء الاصطناعي بدون موافقة المتوفى يعتبر أمرا أخلاقيا يُثير الشكوك. في بداية هذا العام، تم تحميل فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي للمغني الصيني المتوفى تشياو رينليانغ، إلى تطبيق الفيديو القصير في الصين (دوين) ، مما أثار مخاوف بشأن إحياء الذكاء الاصطناعي غير المصرح به. وقد تمت إزالة الفيديو بعد احتجاجات من عائلة المغني، لكن منشورات تقدم فيديوهات إحياء بالذكاء الاصطناعي مقابل رسوم حوالي 588 يوان صيني ) تعادل 80 دولار) استمرت في الانتشار على التطبيق القصير المذكور.

بينما يحذر العلماء من أن محادثات الذكاء الاصطناعي مع المتوفين قد تكون مجرد خطة تسويقية لتشجيع الإنفاق المستمر عبر تقديم ردود متفق عليها. 

وقد تكون بيانات المتوفين لها تطبيقات تجارية متنوعة في المستقبل أيضاً، ووفقًا لورقة البحث التي قدمها البروفيسور الياباني أوريتا بعنوان "استخدام بيانات الأشخاص المتوفين الشخصية"، أشار إلى أن حوالي %20 من 2749 من البالغين اليابانيين المستطلعين إلى أنهم سيسمحون باستخدام معلوماتهم الشخصية الرقمية، مثل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الوفاة إذا تم تعويضهم بشكل مناسب. وهذا، يشير إلى إمكانيات كبيرة للاستغلال التجاري لمعلومات الأفراد المتوفين بطرق مختلفة في المستقبل.