سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف» (4/5)

مرآة لأزمات السودان ومادة لسجال لا ينتهي

سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف» (4/5)
الصادق علي حسن - وادي النيل

بقلم: الصادق علي حسن

في سياق السجال الودي مع رواية "إعدام جوزيف" للكاتب ضيو مطوك، يعود الحديث مجددًا إلى دور حزب الأمة القومي، أحد أعرق الأحزاب السياسية السودانية، في فترات الحكم الديمقراطي، ودوره المزعوم في تكوين المليشيات القبلية، لا سيما "المراحيل" في جنوب دارفور وغرب كردفان.

مسؤولية الحفاظ على الديمقراطية: مسؤولية جماعية

منذ استقلال البلاد في عام 1956، كان حزب الأمة يتمتع بثقل انتخابي جعله في صدارة الأحزاب المكلفة بإدارة الدولة. ورغم مشاركته في الحكم، إلا أن الانقلابات العسكرية تكررت في فترات توليه السلطة، مما يطرح تساؤلات حول قدرة الحزب على حماية الديمقراطية. لكن المسؤولية في هذا السياق، كما يؤكد الكاتب، ليست حكرًا على حزب بعينه، بل مسؤولية جماعية تبدأ من المواطن وتصل إلى كل فئات المجتمع.

في 17 نوفمبر 1986، وقعت جميع القوى السياسية والمدنية – باستثناء الجبهة القومية الإسلامية – على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية، والذي ألزم الجميع بالدفاع عن النظام الديمقراطي، لكن سرعان ما تم تجاهله في خضم التنافس السياسي والكيد الحزبي.

اتهامات بتكوين مليشيات: الرواية مقابل الوثيقة

في مقاله الرابع، ذكر الكاتب ضيو مطوك أن قوات "المراحيل" كانت موجودة قبل انقلاب الإسلاميين، وأنها كانت نواة لقوات "الدفاع الشعبي" لاحقًا، مشيرًا إلى مسؤولية حزب الأمة عن تكوينها. لكن الكاتب الصادق علي حسن يشير إلى أن هذه الاتهامات تفتقر للأسناد القانوني والتوثيق التاريخي، واصفًا إياها بأنها روايات لا ترقى لمستوى البينة القانونية.

كما يوضح أن المراحيل، بحسب الواقع الاجتماعي، ليست تنظيمًا سياسيًا أو عسكريًا خاضعًا لحزب أو جهة رسمية، بل مجموعات عشائرية من الرعاة تقوم بحماية نفسها ذاتيًا، وغالبًا ما تكون خارج سيطرة الإدارات الأهلية أو حتى القبيلة الأم.

دولة الحزب الواحد والانحراف المؤسسي

يرى الكاتب أن عهد الإنقاذ هو الذي شهد التكوين المنهجي للمليشيات القبلية، وتم تقنينها في قانون قوات الدعم السريع عام 2017. كما يؤكد أن مؤسسات الدولة في عهد الديمقراطية الثالثة – وعلى رأسها الجيش – كانت مستقلة تمامًا، بدليل المذكرة الشهيرة التي رفعها قادة الجيش لرئيس الوزراء في فبراير 1989، والتي لم تتضمن أي إشارة لتجييش قبلي من قبل حزب الأمة أو غيره.

حرية الصحافة والرقابة البرلمانية

يلفت المقال إلى أن الديمقراطية الثالثة اتسمت برقابة صارمة من وسائل الإعلام، وصلت إلى حد مراقبة الأحاديث الجانبية للنواب في المقاهي. ويستشهد بحادثة نقلتها صحيفة "ألوان" حول محادثة عادية بين نائبين في أديس أبابا، تحولت إلى مادة صحفية حملت عنوان: "يا النائب، الخبر وصل!"

كما يذكر مثالًا على استقلال القضاء من خلال واقعة اعتراض وزير شؤون الرئاسة على أحكام قضائية، والتي كادت تتحول إلى قضية قانونية لولا تدخل توضيحي لاحق.

في ختام رده، يؤكد الصادق علي حسن أن الربط بين حزب الأمة وتكوين المليشيات القبلية يفتقر إلى الأسناد التاريخي والوثائقي، ويعكس خلطًا بين الواقع العشائري والممارسة الحزبية، مشيرًا إلى أن عهد الإنقاذ هو الذي شهد صناعة المليشيات بشكل مؤسسي وقانوني.