توطين صناعة السلاح في إفريقيا: حماية للسيادة الوطنية لدول القارة

بقلم: رامي زهدي: خبير الشؤون الإفريقية، نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات
في ظل ما تواجهه القارة الإفريقية من تحديات أمنية متفاقمة، تتراوح بين النزاعات المسلحة الداخلية، والتمدد الإرهابي، والأطماع الدولية، إلى جانب أزمات حماية الحدود والثروات الطبيعية، يبرز سؤال محوري: كيف تحمي إفريقيا نفسها؟
الإجابة تبدأ من الداخل، ومن نقطة واضحة: توطين صناعة السلاح كمدخل ضروري للسيادة الوطنية والاستقلال الحقيقي.
واقع التسلح في القارة الإفريقية
بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، لا تمثل إفريقيا سوى 5% من واردات السلاح العالمية، ومع ذلك فإن أكثر من 90% من الأسلحة المستخدمة في القارة مستوردة، ما يضع القرار الدفاعي في أيدي الموردين الأجانب.
تفاوت ميزانيات الدفاع يعكس هشاشة بعض الدول وقوة أخرى، إذ تتصدر الجزائر (9 مليارات دولار سنويًا) قائمة الإنفاق، بينما لا تتعدى ميزانية دول مثل غينيا بيساو أو جزر القمر 100 مليون دولار.
الموردون الرئيسيون للسلاح في إفريقيا
روسيا: المورد الأكبر، بحصة تتجاوز 40% من واردات القارة.
الصين: لاعب متنامٍ، يوفر أسلحة منخفضة التكلفة.
فرنسا والولايات المتحدة: يحتفظان بحضور تقليدي في غرب القارة.
تركيا: تزايد نفوذها في دول مثل إثيوبيا، نيجيريا، وليبيا.
إلا أن غالبية هذه الصفقات تموّل عبر ديون أو منح مشروطة، وهو ما يجعلها عبئًا مزدوجًا: اقتصاديًا وسياسيًا.
خارطة الإنتاج الحربي داخل إفريقيا
رغم محدودية الإنتاج المحلي، هناك بعض النماذج البارزة:
مصر: الرائدة إفريقيًا في التصنيع العسكري، تمتلك أكثر من 20 مصنعًا، وتنتج أسلحة خفيفة، ومدرعات، وطائرات بدون طيار، وتسعى لتوطين التكنولوجيا الذكية.
جنوب إفريقيا: تمتلك شركة Denel وتنتج أسلحة ثقيلة وصواريخ وطائرات مسيرة.
الجزائر: تعاونت مع روسيا والصين لإنتاج معدات عسكرية محليًا.
نيجيريا: تطور صناعاتها عبر شركة DICON وتسعى لتوسيع قدراتها في مجال الطائرات المسيرة.
التجربة المصرية... نموذج يُحتذى به
منذ خمسينيات القرن الماضي، أدركت مصر أن الاستقلال لا يكتمل دون استقلال عسكري.
ومن خلال الهيئة العربية للتصنيع ووزارة الإنتاج الحربي، بنت مصر قاعدة صناعية دفاعية واسعة، توسعت مؤخرًا إلى الصناعات الذكية، والتصنيع المشترك مع شركات عالمية، وتنظيم معارض كـ EDEX، بالإضافة إلى بدء التصدير لدول إفريقية مثل أوغندا، تشاد، والكونغو الديمقراطية.
تحديات تواجه التصنيع العسكري في إفريقيا
1. غياب التمويل
2. نقص الكوادر الفنية
3. الضغوط الدولية
4. الفساد الإداري
كلها عوامل تعيق توطين الصناعة الدفاعية وتعطل الاستقلال الأمني للدول الإفريقية.
لماذا نحتاج إلى صناعة سلاح إفريقية؟
امتلاك السلاح يعني امتلاك قرار السيادة.
والتاريخ أثبت أن الدول التي تعتمد بالكامل على الخارج تصبح عرضة للابتزاز والتجريد من أدواتها الدفاعية في اللحظات الحرجة.
لا تنمية بلا أمن، ولا أمن بلا قدرة دفاعية مستقلة.
من أين تبدأ الدول الإفريقية؟
التحالفات الإقليمية: تأسيس شركات تصنيع مشتركة.
الاستفادة من التجارب الناجحة: مثل التجربة المصرية.
توطين التكنولوجيا: عبر نقل المعرفة والتعليم الفني.
الاستثمار في البحث العلمي الدفاعي.
تبني سياسات وطنية ثابتة لا ترتبط بالحكومات بل بالدولة.
خاتمة: الأمن يُصنع... ولا يُشترى
إن مستقبل إفريقيا لا يمكن أن يُبنى بالسلاح المستورد.
بل يجب أن يُصنع بيد أبنائها، عبر استراتيجيات أمنية مستقلة وتكامل صناعي عسكري إقليمي، تفتح الباب لمرحلة جديدة من السيادة.
مصر تفتح الطريق... وعلى باقي الدول أن تسير بخطى ثابتة، لأن الأمن لا يُستورد... وإنما يُصنع.
هل ترغب في إعداد نسخة مختصرة لهذا المقال لاستخدامها كمنشور على وسائل التواصل؟