سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف».. مرآة لأزمات السودان ومادة لسجال لا ينتهي (5/5)

بقلم: الصادق علي حسن
مبارك الفاضل: المجلس العسكري الانتقالي مسؤول عن تسليح المراحيل عام 1985
في سياق السجال حول رواية "إعدام جوزيف" وشهاداتها التاريخية، وردتني رسالة من السيد مبارك الفاضل المهدي القيادي البارز بحزب الأمة ووزير الصناعة والداخلية في الديمقراطية الثالثة، تحمل توضيحات مهمة بشأن ملابسات تسليح المراحيل. وقد رأيت أن أنقلها كما هي، دون تعليق:
"عليك السلام. اللواء برمة انضم إلى حزب الأمة عام 1986 وتم تعيينه وزير دولة في الدفاع، وكان الوزير حينها السيد الصادق المهدي، ثم تم تحويله لاحقاً إلى وزارة النقل.
لم يتم أي تسليح للقبائل في عهد الديمقراطية الثالثة، فقط قام حاكم كردفان عبدالرسول النور بتسليح بعض المتقاعدين العسكريين لمرافقة قوافل الماشية لحمايتها من هجمات يوسف كوة وقرنق.
في الفترة الانتقالية 1985، هاجم قرنق منطقة القَرْدود وقتل نساء وأطفال، فزارها وزير الدفاع العميد عثمان عبدالله برفقة اللواء فضل برمة ناصر، عضو المجلس العسكري الانتقالي حينها. طلب الأهالي الحماية أو التسليح، فاستجاب لهم وزير الدفاع وسلّحهم."
عن "الميول" لحزب الأمة.. بين الموروث والتخلي الواعي
أشار د. ضيو مطوك في مقاله الأول إلى أن دوافعي في الدفاع عن حقوق الضحايا في "إعدام جوزيف" ترتبط بـ"ميول لحزب الأمة"، معتبراً أن ذلك انعكس في رفضي لتحميل الحزب مسؤولية تدهور العدالة. وللتوضيح، فإن علاقتي بحزب الأمة لم تكن ميولاً طارئة بل نشأة ووعي تشكلا في كنف الحزب بمنزل الأسرة منذ الطفولة. خالي الشيخ مصطفى حسن وعمي الشيخ عطا المنان من أوائل من شاركوا في تأسيس الحزب بنيالا، وقد كان خالي وكيلاً للإمام ورئيساً للحزب في نيالا، وانتخب نائباً عنه في البرلمان.
لقد عايشت التحولات السياسية الكبرى، من حملة الإمام الصديق الانتخابية في نيالا عام 1953، إلى انتفاضة أبريل 1985، وكنت حينها يافعاً أشارك في اجتماعات الحزب وأتابع مجرياته. ثم كنت قريباً من قيادة الحزب أثناء الديمقراطية الثالثة، وأسهمت بمذكرة عن البناء القاعدي الحزبي، وسافرت في جولات تنظيمية لدارفور مع الراحل صلاح بريمة نمر. وبعد الانقلاب في 1989، شاركت في تنظيم العمل السري للحزب، ومبادرات مثل "تجربة استرداد الديمقراطية" و"مؤتمر الأمن الشامل لدارفور" في نيالا عام 1997.
غير أنني – ومنذ أكثر من عقد ونصف – أعلنت تخليي الكامل عن حزب الأمة، بعد أن أصدرت عدة كتب ومقالات نقدية حول مسيرته، منها: "قراءة وتعليق على دستور حزب الأمة ولوائحه"، و"حزب الأمة وأزمات العودة". هذا التخلي لم يكن لأجل الانضمام إلى حزب آخر أو حركة مسلحة، بل عن قناعة تامة بأنني لم أعد أرى جدوى في العمل الحزبي التقليدي، وقد صارت السياسة تجارة وزيفاً.
السندكالي: التهمة التي لا تموت!
ظل الاتهام بكوني "سندكالي" – أي حزب أمة – يلاحقني، حتى بعد سنوات طويلة من إعلان القطيعة. عبد الواحد محمد النور نفسه كان يردد لي: "أنت يا السندكالي حزب أمة، وسترجع لحزبك"، رغم أن علاقتي بالحركات المسلحة لم تكن تنظيمية، بل حقوقية، من خلال تجربتي في "محامو دارفور" التي أسست عام 1995 كجسم حقوقي مدني يناصر قضايا الإقليم.
"محامو دارفور".. الكفاح بالحق والقانون
"محامو دارفور"، التي تطورت لاحقاً إلى "هيئة محامي دارفور"، كانت ولا تزال منصة للعمل الحقوقي السلمي. شارك في تأسيسها خريجون من كليات القانون وغيرها، وواجهنا النظام البائد منذ بداياته. في عام 1996 رفعنا أول مذكرة احتجاجية بإسم جهة اعتبارية إلى البشير، ورفض استقبالها. لكن استمرت أنشطتنا في الرصد والتوثيق والدفاع القانوني عن المعتقلين ومنسوبي الحركات المسلحة، بمن فيهم شركاء الأستاذ عبد الواحد محمد النور.
الرواية كسجال مستمر
ما بين الحقيقة التاريخية والسياسي المتحول، وبين الانتماء والقطيعة، تظل رواية "إعدام جوزيف" أداة لاستفزاز الذاكرة وفتح جراح التاريخ السوداني الذي لم يندمل بعد. والنقاش حولها، كما حول حزب الأمة، لا يزال سجالاً لا ينتهي، لا بالخصومة ولا بالمصادرة، بل بالوعي والتوثيق.