سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف» .. مرآة لأزمات السودان ومادة لسجال لا ينتهي (٣/٥)

سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف» .. مرآة لأزمات السودان ومادة لسجال لا ينتهي (٣/٥)
الصادق علي حسن

بقلم: الصادق علي حسن

رغم تطور أدوات المعرفة وسهولة الوصول إلى المعلومات، ما تزال المشافهة تشكل المصدر الأساسي للمعرفة عند غالبية السودانيين، وهو ما أفسح المجال أمام المؤرخ السوداني لتغبيش الوعي الجمعي من خلال معلومات غير دقيقة ومضللة، حتى في المناهج الدراسية الرسمية.

يُعدّ تأسيس الدولة السودانية مثالًا على هذا التشويه، إذ يتم تجاهل أن إسماعيل باشا بن محمد علي هو من أسس الكيان السياسي السوداني الحالي عام 1821م بضم الإقليم لولاية مصر العثمانية، بينما كانت الأراضي السودانية آنذاك تضم ممالك وهويات متعددة مستقلة، دون كيان سياسي موحد.

من الأمير إلى الدولة الحديثة

يعود مفهوم الدولة الحديثة إلى صلح وستفاليا 1648م، حين تم الاعتراف بالسيادة القانونية للدول، وهو ما رفض تقسيم العالم بين البرتغال وإسبانيا باتفاق 1494م. المواطنة في أوروبا القديمة كانت تعني الولاء للأمير، وكان نيكولو ميكافيللي في كتابه "الأمير" مثالًا للتفاني في خدمة الإمارة.

في السودان، ما يزال الاعتماد على الحكايات الشفهية بدل التقصي والتحقيق يعرقل الفهم التاريخي، ويمنع المصالحة مع الذات الوطنية.

تأسيس الدولة السودانية بين الحقيقة والتحريف

لم يكن استقلال السودان صدفة أو قرار فرد، بل جاء نتيجة لتجربة الحكم الذاتي التي بدأت بانتخاب البرلمان الأول عام 1953.

 أسطورة "منديل الأزهري" في مؤتمر باندونغ 1955 تعكس سطحية بعض الروايات، إذ أن علم الدولة يرمز للشعب وليس مجرد قطعة قماش تُعرض في المؤتمرات.

لو تدبر د. ضيو مطوك أسس التأسيس، لأدرك أن شعار "إنهاء دولة 1956" الذي ترفعه بعض الجهات هو دعوة لفوضى لا تُحمد عقباها، ويتجاهل واقع أن السودان كان دولة ذات سيادة واقتصاد متماسك، وجنيه يعادل 4 دولارات.

حزب الأمة وانفصال الجنوب

في مقاله الرابع، حمّل د. ضيو مطوك حزب الأمة مسؤولية انفصال الجنوب، وهو طرح يستحق النقاش لا الرفض. ولكن تحميل الحزب ورئيسه الإمام الصادق المهدي كامل المسؤولية عن مأساة الجنوب فيه كثير من التبسيط، ولا يستند إلى تحليل موضوعي للمشهد السياسي.

مجزرة الضعين: توثيق الحدث لا تسييسه

مجزرة الضعين في مارس 1987 كانت فاجعة إنسانية مدانة بكل المقاييس. لكن تحميل حزب الأمة أو قبيلة الرزيقات بكاملها المسؤولية، فيه تجنٍّ واضح. المجزرة وقعت في نطاق جغرافي محدود، وبأيدٍ محددة، ولا يجب تعميم المسؤولية.

وللإنصاف، فإن الحركة الشعبية نفسها ارتكبت أفعالًا مدانة، منها إسقاط طائرة مدنية عام 1986 وقتل 60 راكبًا. لم يعلن حزب الأمة عن مسؤوليته عن المجزرة، بل فُتحت بلاغات جنائية ضد المتورطين المباشرين.

نحو فهم أعمق للتاريخ السياسي السوداني

من المهم التوقف عن تسطيح الأحداث وتحميلها لجهات سياسية وفقًا للهوى أو الانحياز. الرواية التاريخية تحتاج إلى توثيق وتحقيق، لا إلى سرديات مشحونة بالعاطفة.