الهوية الوطنية والهويات الفرعية: بين التعايش والتصادم
بقلم: محمد الأمين أبو زيد
تُعَدُّ الهوية الثقافية من أكثر المفاهيم تعقيدًا في مجال العلوم الاجتماعية، حيث تتنوع تعريفاتها بناءً على العديد من العوامل. يشير عالم الاجتماع الأمريكي صمويل هانتجتون إلى أن الهوية هي إحساس الفرد أو الجماعة بالذات، وهو نتيجة لوعي بالخصائص المميزة التي تفصلهم عن الآخرين. أما من الناحية النفسية، فتُعرّف الهوية بأنها مزيج من الخصائص الاجتماعية والثقافية المشتركة بين الأفراد، والتي تميز مجموعة عن أخرى.
ومن جهة أخرى، يُعرف مفهوم الهوية في سياق سياسي بكونها مجموعة الانتماءات التي تحدد سلوك الفرد وإدراكه لذاته، وبالتالي، فإن التمركز حول هوية واحدة يمكن أن يؤدي إلى ضيق الأفق الاجتماعي.
الهوية الوطنية
الهوية الوطنية هي السمات والخصائص التي تجمع المواطنين داخل دولة معينة، وتشمل مشاعر الانتماء القائمة على المشتركات الوطنية كاللغة، والتاريخ، والثقافة. ترتبط الهوية الوطنية أيضًا بالحقوق والواجبات المتمثلة في حق التعليم، العمل، الحرية، والمساواة، وهي أسس تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية.
في المجتمعات المتعددة الثقافات، تبرز الهويات الفرعية كالهوية الدينية، والعرقية، والطائفية، والقبلية. تتيح هذه الهويات للفرد شعورًا بالانتماء إلى مجموعة أصغر، ما يمنحه الأمان والاعتراف الاجتماعي. ومع ذلك، قد تُشكل هذه الهويات تهديدًا للوحدة الوطنية، خاصة إذا ما استُغلت لأغراض سياسية أو اجتماعية ضيقة.
تظل الهوية الوطنية هي الإطار الأوسع الذي يجب أن يضم جميع الهويات الفرعية دون إلغاء، لتحقيق التماسك المجتمعي. ففي المجتمعات التي تعاني من الانقسامات العرقية أو الدينية، يمثل تسييس الهوية الوطنية أخطر تهديد لاستقرار البلاد، حيث يؤدي ذلك إلى تعميق الخلافات وتعزيز التشرذم الاجتماعي.
الطريق نحو الاندماج الوطني
لتعزيز الهوية الوطنية، يجب على الدولة الاعتراف بالتنوع واحترامه، مع ضمان حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الفرعية. يعتبر ذلك الضمان الوحيد للحفاظ على وحدة المجتمع، والتغلب على خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية.