سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف» (1-4)

بقلم: الدكتور ضيو مطوك ديينق وول
في أجواءٍ أدبيةٍ راقية، تم تدشين رواية "إعدام جوزيف" بالقاهرة، وهي عملٌ إنساني كُتب بالدارجة السودانية. كنت أخشى في البداية من صعوبة تفاعل النقاد المصريين مع هذا العمل، خاصة ما يتعلق بالحوار العامي السوداني، لكنني تأكدت أن شعب وادي النيل متداخل ثقافيًا، ويتمتع بمشتركات حضارية وتاريخية ولغوية، جعلت التفاعل مع النص سلسًا وواعٍ بالعمق الإنساني فيه.
شكر وتقدير للمساهمين في إنجاح التدشين
أبتدر هذا السجال الودي بتقديم التحية والشكر لكل من ساهم في إخراج هذا العمل إلى النور، وعلى رأسهم الأستاذان أسماء الحسيني ونبيل نجم الدين، لما بذلاه من جهد كبير في إقامة حفل التدشين والمناقشة وتوقيع الرواية.
الشكر موصول لمركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية، والمنتدى الثقافي المصري، لاستضافتهما اللقاء، خاصة البروفيسور مدحت حماد، الأستاذ بكلية الآداب جامعة طنطا، والأمين العام للمنتدى الثقافي المصري.
كما أشكر كل من شارك في مناقشة الرواية وإثرائها بآراء نقدية ثمينة، من نقاد ودبلوماسيين وإعلاميين وأساتذة جامعات، وعلى وجه الخصوص أبناء جنوب السودان والسودان المقيمين في مصر، وفي مقدمتهم:
السفير كوال نيوك، رئيس بعثة جنوب السودان في مصر
الدكتور عبد الحميد موسى كاشا، رئيس مركز كاشا لدراسات السلام
الدكتور محمد عيسى علوة، نائب حاكم إقليم دارفور
الدكتورة إشراقة مصطفى، الكاتبة والباحثة في الشأن السوداني
السفير محمد النقلي، الدبلوماسي المصري المعروف
وقد شهدت الفعالية تكريم الكاتب من قبل مجموعة مناصرة اللاجئين السودانيين، برئاسة البروفسور صديق تاور، عضو المجلس السيادي السوداني السابق، تقديرًا لدوره في دعم المبادرة، إضافة لمشاركة أعضاء المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات برئاسة الأستاذ المحامي الصادق علي حسن.
الناشر والدور المحوري في تقديم الرواية
شكر خاص لأستاذنا أسامة إبراهيم، رئيس مجلس إدارة ومدير دار النخبة العربية، الذي كان من أوائل من قرأوا الرواية ودفعوني لنشرها، وتولى كتابة مقدمتها التي أصبحت جزءًا من العمل النقدي المضمّن في الرواية.
كما لا يفوتني التنويه بالدور الكبير للبروفيسور قاسم نسيم حماد، أستاذ الأدب والنقد بجامعة إفريقيا العالمية، والصحفيين غبريال جوزيف شدار ومثيانق شريلو، الذين اطلعوا على المخطوطة وقدموا إرشادات ساهمت في تطوير الرواية.
آراء نقدية أثرت الرواية
من أبرز النقاد الذين أثرو النقاش الدكتور حسام عقل، أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس، ورئيس ملتقى السرد العربي، والأستاذ نادر السماني، نقيب الصحفيين السودانيين، والكاتب الصحفي ديفيد داو أروب كوات، وجميع من قرأوا الرواية وشاركوا بآرائهم عبر وسائط الإعلام.
هذا التفاعل من النُقاد منح الرواية روحًا جديدة، مكنتها من الدخول إلى الواقع المعاش، ومخاطبة القضايا السياسية والاجتماعية على مستوى السودان والعالم.
العدالة الغائبة و"اغتيال الإنسانية"
وصف الأستاذ أسامة إبراهيم الرواية بأنها تحمل عنوانًا فرعيًا هو "اغتيال العدالة"، في إشارة إلى ما يعانيه عالمنا المعاصر من غياب الإنصاف، مما يهدد إنسانيتنا.
أما الأستاذ دينق ديت أيوك، الكاتب الصحفي من جنوب السودان، فقد رأى أن المأساة في الرواية ناتجة عن الإسلام السياسي في السودان، وهو طرح أجد نفسي متفقًا معه. لقد حكمت البلاد أحزابٌ اتخذت العروبة كأيديولوجية، وتركت القومية السودانية جانبًا، بدءًا من حزب الأمة بزعامة الإمام الراحل الصادق المهدي، إلى الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني، ثم الجبهة الإسلامية القومية بقيادة الدكتور حسن الترابي.
لم تستفد هذه التيارات من تجربة المستعمر البريطاني الذي سعى لحماية الهوية الثقافية المحلية عبر المناطق المقفولة، ورغم الوعود بالفيدرالية لأهل الجنوب، فقد تم وصف تلك المطالب بالخيانة لاحقًا. وسأتناول هذا الجانب تفصيلًا في مذكراتي المقبلة.
الرواية وتشخيص الأزمة السودانية
قال الإعلامي المصري حمدي الحسيني، إن الرواية "تكافح العنصرية والتمييز في السودان"، وهذا هو جوهر الأزمة التي نعيشها منذ قرنين. شخصيًا، أنا من ضحايا حملات الرق التي استهدفت منطقة الدينكا، إذ اختُطفت جدتي وتوأمها إلى دارفور ولم يُعرف عنهم شيء حتى اليوم.
للأسف، لا تزال جرائم التمييز قائمة، تستهدف الأبرياء بسبب اللون أو الدين أو اللغة. على السياسيين أن يتعلموا من التاريخ وينقذوا ما تبقى من الأمة، ويوقفوا هذا الاستهداف الممنهج.
"إعدام جوزيف".. محكمة للضمير
الرواية تؤكد أن الأزمة السودانية صنيعة الساسة، وليست من الشعب الطيب المتسامح المتدين. وقد جسدت الرواية ذلك في مأساة الرقيب سانتو، الذي خدم بوفاء في الهجانة بالأبيض، لكنه أصبح ملاحقًا بسبب ديانته المسيحية.
في أحد المشاهد، رفض قائد الدفاع الشعبي مشاركته في صلاة الفجر، وكاد أن يقتله، لولا تدخل زميله الجندي محمد آدم. أما جوزيف جون باك، فقد أُعدم فقط لأنه جنوبي، رغم أنه لم يكن القاتل.
رسالة الرواية: العدالة في خطر
الرواية تطرح سؤالًا مؤلمًا: هل نحن فعلاً منصفون لبعضنا؟ إنّها تدعو لإصلاح المؤسسات العدلية في السودان، التي انحرفت عن مسارها وأصبحت أداة للانتقام السياسي.
وسنعود لاحقًا لمناقشة ما كتبه أستاذنا الصادق علي حسن حول هذا الجانب، ضمن فصول هذا السجال الودي الذي نأمل أن يفتح الباب أمام مراجعة جادة للواقع الأدبي والسياسي في السودان.