ثقافة الحرب: الحرب تنشأ في العقول قبل أن تنشأ في الواقع

ثقافة الحرب: الحرب تنشأ في العقول قبل أن تنشأ في الواقع
محمد الأمين أبو زيد - وادي النيل

بقلم: محمد الأمين أبو زيد

تشير ثقافة الحرب إلى مجموعة من القيم والمفاهيم والممارسات التي تتطور وتتكاثر في المجتمعات أثناء الحروب. تشمل هذه الثقافة طريقة فهم الحرب، تمجيد العنف والقتل (بل والتلذذ به أحيانًا)، الاحتفاء بالبطولة، التقاليد العسكرية، الرموز، وحتى الإنتاج الفني والأدبي الذي يتناول الحرب.

إن الصورة التي نرسمها للآخر في عقولنا – سواء كانت مبنية على الخوف، أو الكراهية، أو سوء الفهم، أو الاستعلاء، أو التنمر – يمكن أن تتحول إلى صراع حقيقي إذا لم يتم التعامل معها بوعي.

وإذا نظرنا إلى بعض الجوانب الأساسية لثقافة الحرب، فإننا نجدها تتمثل في:

تطبيع العنف ليصبح جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية.

ترميز الجنود والقادة العسكريين وتحويلهم إلى رموز وطنية.

الأدب والفن والشعر والأغاني والألعاب التي تعكس وجهات نظر مختلفة عن الحرب.

اللغة والمصطلحات حيث تطغى مفردات مثل "الشهادة"، "النصر"، "العدو"، "الجبهة"… على الخطاب العام.

استخدام الإعلام والدعاية لتغذية ثقافة الحرب من خلال التضخيم، وغسل الأدمغة، وشيطنة العدو.

عسكرة الحياة الاجتماعية والفضاء العام وتنميط العقول بسرديات الحرب.

أما تأثير الحرب على الوضع الثقافي فهو كبير ومعقد، ويظهر من خلال:

تدمير البنية الثقافية؛ إذ تؤدي الحروب كثيرًا إلى تدمير المعالم التاريخية والمتاحف والمكتبات والمراكز الثقافية، مما يؤدي إلى فقدان التراث الثقافي والهوية الوطنية.

تهجير المثقفين والفنانين بسبب انعدام الأمن أو القمع، مما يؤدي إلى هجرة العقول ويضعف الحياة الثقافية.

في الحروب الأهلية، خصوصًا تحت الأنظمة الاستبدادية، تُستخدم الثقافة كأداة لقمع الأصوات المعارضة التي تدعو للسلام والحرية، وتُدمغ بصفات "العمالة" و"الخيانة".

زرع الانقسام المجتمعي، مما ينعكس على الحياة الثقافية ويؤدي إلى الانغلاق بدلًا من التنوع والانفتاح.

في المقابل، تلهم الحروب بعض المثقفين والفنانين للإبداع الأدبي والفني الذي يوثق المعاناة ويحفظ الذاكرة الجمعية.

كذلك تبرز الحرب رموزًا ثقافية تدعو للعنف، متناقضة مع الوجدان السليم.

ومن الضروري الإشارة إلى تأثير الحرب على ثقافة الطفل، وهو تأثير عميق وشامل يمس الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية:

تشويه المفاهيم والقيم؛ إذ تغيّر الحرب نظرة الطفل للعالم من مكان آمن إلى بيئة مليئة بالخوف والعنف والعداء، ويتسرب للطفل مفهوم العنف كوسيلة لحل النزاعات أو الكراهية تجاه جماعة معينة.

فقدان الهوية الثقافية عندما تجبر الحرب الأطفال على ترك أوطانهم والانفصال عن اللغة الأم والعادات والتقاليد.

الحرمان من التعليم والتنشئة الثقافية بتعطيل المدارس والمراكز الثقافية، مما يحد من فرص التطور الثقافي السليم.

نقص الإبداع الثقافي الموجه للأطفال أو أن يكون مشحونًا بخطاب تعبوي.

التأثر برموز الحرب بدلًا من رموز الطفولة، مما يبدل محتوى المخيلة الطفولية ويشوّه مفاهيم البراءة.

إن القول بأن الحرب تنشأ في العقول يعني أن جذورها لا تكون دائمًا في السلاح أو السياسة فقط، بل تبدأ أولًا في طريقة تفكير البشر. عندما تتولد في العقول مشاعر مثل الخوف، الكراهية، الطمع، التعصب، والاستعلاء، فإن هذه المشاعر قد تتطور إلى صراعات إذا لم يُواجهها المجتمع بالحوار، والتثاقف، والحكمة.

كما أن الشعور بعدم احترام ثقافة الآخر، وعدم القدرة على إدارة التنوع الثقافي يمكن أن يقود إلى نشوء الحرب في العقول، ثم تحولها إلى واقع بالسلاح.

وبذات القدر، يمكن أن يُبنى السلام من نفس المصدر – العقول. فإذا غُرست في الناس قيم التفاهم، التسامح، العدل، الحرية، المساواة، المواطنة، التعايش السلمي، الكرامة الإنسانية، ونبذ الكراهية والعنف والقبول بالآخر، يمكن للمجتمع أن يمتلك حصانة ومناعة ذاتية ضد الحروب.

ما أشرنا إليه يمكن قياسه ومقارنته بما حدث في بلادنا من حروب سابقة، وبالحرب التي تدور رحاها منذ عامين؛ وسنجد أن النتائج مذهلة وصادمة.

#أوقفوا_الحرب_العبثية