الثقافة الوطنية: عناصرها ومحدداتها
بقلم: محمد الأمين أبو زيد
يرتبط مفهوم الثقافة الوطنية جغرافيًا بالوطن من حيث الأرض والشعب والسيادة، وثقافيًا بالمعتقدات والسلوك، واجتماعيًا بالمجتمع وقيمه السائدة التي تميزه ضمن الإطار الإنساني العام. فالثقافة الوطنية هي مجمل المعتقدات والقيم والتعبيرات التي تتجسد في الواقع الاجتماعي كحقيقة معاشة ومشاهدة.
يقول الدكتور حسن حنفي في تعريف الثقافة الوطنية: "هي المكون الرئيس لمزاج أي شعب، تستمد منه تصوراتها للعالم، وتوجه بواعث السلوك، وتظهر سماتها في الأفراد والشعوب على حد سواء، سواء في الوعي الفردي أو الوعي الاجتماعي والتاريخي".
العناصر المؤثرة في الثقافة الوطنية:
1. المكون الديني: الدين هو أحد العناصر الرئيسية التي تشكل ثقافة المجتمع، فهو يؤثر في السلوك الفردي والجماعي.
2. التراث: التراث بما فيه من تاريخ، وعادات، وتقاليد، وسير الأبطال، والملاحم الشعبية، يمثل الذاكرة الجماعية للشعب.
3. الأمثال الشعبية: هي تعبير عن الحكمة الشعبية وتلخص التجربة الإنسانية عبر العصور.
4. الحكمة الشعبية: تستند إلى شواهد التاريخ وممارسات الشعوب، وتلعب دورًا هامًا في تشكيل هوية المجتمع.
تأثير الحداثة والتقنية:
إن مظاهر التقنية والحداثة وأساليب الحياة الحديثة بدأت تؤثر في الثقافة الوطنية، لكن تأثيرها لا يزال محدودًا طبقيًا واجتماعيًا. وبدأت بعض الطبقات الشعبية تتأثر بما يُعرف بالتغريب، أي التأثر بالثقافة الغربية وأنماطها السلوكية والمادية.
التوازن بين الأصالة والمعاصرة:
تعتمد إعادة بناء الثقافة الوطنية على التوازن بين الأصالة والمعاصرة. فالثقافة الوطنية ليست مجرد عنصر تقليدي، بل هي جزء من عملية التحديث المجتمعي وضمان لاستمرار حركة التغيير الاجتماعي. إنها تمثل مرحلة انتقالية من التقليد إلى الحداثة ومن الماضي إلى المستقبل، عبر الدمج بين التراث والمعاصرة.
دور الثقافة في التغيير الاجتماعي:
الثقافة الوطنية تلعب دورًا محوريًا في تثوير الشعوب وتحفيزها على التغيير. فعلى سبيل المثال، كان الأدب الروسي الوعاء الثقافي الذي خرجت منه الثورة البلشفية، بينما كانت حركة التنوير في فرنسا هي وعاء الثورة الفرنسية، وفي الصين، كانت الثورة الثقافية هي المحرك الرئيسي للتغيير.
التنوع داخل الثقافة الوطنية:
لا يمكن تصور أن تكون الثقافة الوطنية وحدة متجانسة تعبر عن نسق واحد، بل إنها تضم مكونات متعددة قد تتناقض أحيانًا. يعود ذلك إلى تعدد الظروف التاريخية والاجتماعية التي تؤثر على تشكيل الثقافة، واختلاف المصالح الطبقية داخل المجتمع.
الثقافة الوطنية والعولمة:
على الرغم من أن الثقافة الوطنية تعبر عن خصوصية الشعب، إلا أنها تتفاعل مع ما يُعرف بالثقافة العالمية أو ثقافة العولمة. هذه الخصوصية تجعل الثقافة الوطنية قادرة على الحماية من الهيمنة الثقافية والحضارية. لكن الخصوصية لا تعني العزلة، بل الانفتاح على الثقافات الأخرى، كما حدث في العصر العباسي عندما تواصلت الثقافة العربية الإسلامية مع الثقافات اليونانية والفارسية والهندية عبر الترجمة ووسائل الاتصال المختلفة.
التحدي في الحفاظ على الثقافة الوطنية:
في عالم اليوم الذي أصبح قرية صغيرة، يمثل التمسك بالثقافة الوطنية والانحياز لقيمها تحديًا كبيرًا لتعزيز قيم الانتماء الوطني والحفاظ على الهوية الجماعية.
ختامًا: إن الثقافة الوطنية هي درع الأمة وسر استمرارها، وهي التي تشكل جوهر وعي الشعب بماضيه وحاضره ومستقبله، وتمنحه القدرة على الصمود والتكيف مع التغيرات التي تفرضها الظروف المحلية والعالمية.