سجال ودي مع نقاد رواية «إعدام جوزيف» 2-4

بقلم: الدكتور ضيو مطوك ديينق وول
إنّ ما حدث في معظم المدن السودانية، خاصة مدينة ود مدني مؤخرًا، من استهداف لأبناء جنوب السودان الذين كانوا يعملون في المشاريع الزراعية بولاية الجزيرة بعد تحريرها، وردود الأفعال الغاضبة من بعض الجنوبيين تجاه إخوانهم الشماليين اللاجئين إلى جنوب السودان هربًا من الحرب، يمثل خطأً فادحًا يتحمل مسؤوليته بصورة كاملة السياسيون والمثقفون في كلا البلدين.
فمثل هذه الأحداث ظلت تلاحق مجتمعينا بصورة متكررة، ونتيجة للصمت تجاهها أو انتقائية التعاطي معها، باتت الأوضاع مهددة بالخروج عن السيطرة. من واجبنا الأخلاقي والوطني أن نضطلع بدور حقيقي في مناهضة هذه الأعمال غير الإنسانية بكل تجرد.
إنّ التمترس خلف أيديولوجيات سياسية لا تحترم التنوع الفكري والعرقي والديني سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح العليا لكل من السودان وجنوب السودان. المواطن البسيط في البلدين لا يزال يواجه صعوبة في استيعاب واقع الانفصال، فجنوب السودان يضم ملايين السودانيين الذين كانوا يعملون في القطاعات الحرة ومؤسسات الدولة، وكذلك كان الحال في السودان عند اندلاع الحرب في أبريل 2023، إذ كان يعيش فيه أكثر من مليوني جنوبي.
هذا الترابط يعزز ضرورة التصدي لمحاولات بث الفتنة والعنصرية التي لا تتماشى مع قيمنا وتراثنا، ولا مع المواثيق الدولية. فالاعتقاد بأن "مهر الانفصال" سيحقق الاستقرار كذّبته معاناة الشعبين المستمرة، مما يدعو للقلق حول مستقبل التعايش السلمي بين الدولتين.
إنّ أكثر البلدان تماسكًا وازدهارًا هي تلك التي تُدار فيها مظاهر التنوع بكفاءة. الاختلاف ليس جريمة، بل قوة إذا أحسن استخدامه. ففي تجارب ناجحة مثل الولايات المتحدة وماليزيا، كان التنوع مصدرًا للقوة، وليس سببًا للفرقة. فماليزيا، التي تشبه السودان من حيث التنوع العرقي والديني، استطاعت بقيادة مهاتير محمد تحويل هذا التنوع إلى أداة لبناء الدولة.
حول النقد الأدبي وتجاوزاته
من اللافت مؤخرًا تعليق المهندس بدر الدين العتاق على مقالات الأستاذ الصادق علي حسن، حين كتب:
> "تحياتي لك أستاذي الفاضل،
سؤال مهم للغاية سعادتك بخصوص الكتاب:
متين أصنف الكاتب بأنه أديب، بالتحديد ضيو مطوك؟"
هذا التعليق يكشف بوضوح أن المهندس بدر الدين لا يعرف من هو الشخص الذي يتحدث عنه، وهو خطأ جسيم، إذ لا يصح توجيه نقد بهذه الحدة لشخصية لم تُقرأ أعمالها، ولم يُطّلع على سيرتها الذاتية، وهو ما كان يمكن تفاديه ببحث بسيط عبر محركات البحث.
لم يسبق لي أن التقيت المهندس بدر الدين في ساحات العمل العام أثناء تواجدي ضمن الطاقم الرئاسي بالقصر الجمهوري في السودان، ويبدو كذلك أنه لم يقرأ عني. وللتوضيح، فإن تصنيف "الأديب" ليس مرهونًا بغزارة الإنتاج بل بنوعية العمل المُقدَّم. لدينا أمثلة كثيرة مثل "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، و"طائر الشؤم" للدكتور فرانسيس دينق، حيث أثبت كلٌ منهما مكانته الأدبية من عمل واحد فقط.
لقد كتبت كتابين مهمين في مجالي فض النزاعات وبناء السلام، لكنّ الضجيج الذي أثارته رواية إعدام جوزيف فاق التوقعات، ما يدل على أن الأدب أقرب إلى وجدان الشعوب من غيره من الحقول.
الثقافة والاستثمار: تكامل لا تضاد
أذكر خلال مناقشة الرواية، أن الدكتور مدحت حماد – سكرتير المنتدى الثقافي المصري – اقترح مخاطبة رئيس جمهورية جنوب السودان لتكليفي بحقيبة الثقافة عوضًا عن الاستثمار. وقد وجدت الفكرة قبولًا واسعًا من الحضور، وعبّرت عن قناعتي بأن بإمكاني تسيير العمل الثقافي من خلال حقيبة الاستثمار، لأن الثقافة والاستثمار لا يتعارضان، بل يكملان بعضهما البعض.
التصنيف الأدبي لروايتي لم يكن رأي الأستاذ الصادق فقط، بل رأي نقاد كبار مثل الدكتور حسام عقل، أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس، الذي قال إن الأسلوب الذي كُتبت به الرواية فريد، إذ يمزج بين الأدب والسياسة في معالجة القضايا المعاصرة.
العنصرية والجهل بالموروث
الجزء الأكثر إثارة للقلق في رسالة المهندس بدر الدين، هو محاولته لشخصنة النقد الأدبي عبر جملة "بالتحديد ضيو مطوك". هذا تجاوز خطير للمنهج الأكاديمي في النقد الأدبي. التساؤل حول "هل يمكن تصنيف العمل ضمن الأدب العربي؟" يدل على جهل بتاريخ تطور اللغة العربية.
لقد ساهم في بناء اللغة العربية أعلام غير عرب مثل سيبويه، الجرجاني، الفراهيدي، وغيرهم، بل إن عدداً من علماء مصر – رغم الجدل حول هويتهم – قدموا إسهامات عظيمة لترسيخ اللغة العربية.
فلماذا يريد البعض أن يكون الكاتب "عربيًا" حتى يحق له الكتابة بالعربية؟
إن الأدب لا يعرف حدودًا عرقية أو إثنية. وما قاله المهندس بدر الدين يكشف للأسف عن نظرة عنصرية تجاه الكاتب، وهو أمر مرفوض تمامًا، ويتطلب وقفة جادة من المهتمين بالشأن الثقافي في بلدينا.