التغيير المؤجل في السودان: هل الدعم السريع هو الحل؟
بقلم: أحمد محمود أحمد
ضمن الواقع العربي، وتحديداً بعد نكسة 1967م وتراجع دور التيار القومي واليساري، بدأت تتشكل في الأفق العربي منذ السبعينيات اتجاهات الإسلام السياسي. هذا التيار تصور أنه سيكون وريثاً للتيار القومي واليسار، وازدادت سطوته في المنطقة العربية، خاصة في مصر، بدعم من الرئيس الراحل أنور السادات. سيطر الإسلام السياسي على المجال العام وبدأ بطرح شعارات براقة، أبرزها "الإسلام هو الحل"، دون توضيح الكيفية أو ماهية الحل. وجدت هذه الشعارات صدىً في أوساط الجماهير التي كانت تمر بأزمات كبيرة، ما دفعها للبحث عن الحلول حتى عبر شعارات غير مختبرة.
الأزمة السودانية والشعارات
في الواقع السوداني، تتشابك الأزمات وتتعدد، وتبدو المرحلة الحالية التي تشتعل فيها الحرب قمة الأزمة السودانية. فهي، في مجملها، نتاج فشل ثلاثة ثورات كبرى، ومع ضياعها ضاعت أسس التغيير وفُقدت بوصلة الحل. يمكن الحديث هنا عن "نكسة سودانية" مشابهة لما حدث في العالم العربي بعد نكسة 67، وهكذا يمكن إعادة طرح السؤال في السياق السوداني: هل الدعم السريع هو الحل في ظل انسداد الأفق السياسي؟
طرح البعض هذا السؤال بعد أن بدأت مجموعات تنظر إلى "الدعم السريع" كحل محتمل، متأثرة بشعاراته التي تشبه شعار "الإسلام هو الحل"، ولكن في المجال المدني هذه المرة، عبر طرحه لشعار "المدنية هي الحل". هذه الشعارات جذبت مجموعة من المثقفين الذين انفصلوا عن أحزابهم أو تخلت عنهم، إلى جانب مجموعة من الإسلاميين الذين انتموا إلى الدعم السريع. يأتي هذا في وقت تعبر فيه تناقضات "الدعم السريع" عن حالة من التوهان في المشهد السوداني.
أزمة العقل السوداني والتغيير
في هذه الجزئية، سنتحدث عن العقل السوداني، مع تجزئته كما فعل الفيلسوف الفارابي. ما نقصده بالعقل هنا هو الذهن الذي يختلف حسب البعد المعرفي ومستوى الإدراك، حيث يرى البعض أن العقل هو العضو المركزي في الجهاز العصبي، بينما الذهن هو قدرة تظهر في الظواهر العقلية. في هذا المقال، نعني بالعقل "الذهن"، وسنحاول تحليل الذهنيات في الواقع السوداني للإجابة على السؤال المركزي: هل يمكن أن يكون الدعم السريع مدخلاً لحل الأزمة السودانية، أم أنه تعقيد إضافي؟
العقل المنفعل أو عقل الأزمة
هذا العقل برز في الأطراف السودانية، بعد مرحلة الاستقلال، نتيجة ظروف تهميش الأطراف ونفيها، ما أدى إلى رد فعل حاد. يتميز هذا العقل بغياب النظرة النقدية والوعي بالتناقضات. شعارات هذا العقل مثل "وحدة السودان" أو "تحرير السودان" تنطلق من تجزئة الواقع دون فهم لطبيعة السلطة. العقل المنفعل يتجلى في عدة تجارب سودانية مثل "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي كانت تحمل شعار الوحدة لكنها في النهاية انقسمت وانتهت إلى الفشل.
الدعم السريع وعقل اللحظة
بالنسبة إلى الدعم السريع، فهو يمثل عقل اللحظة، إذ نشأ في الأصل كمكون من مكونات الحركة الإسلامية، التي تصادمت معه لاحقاً في الحرب الحالية. شعار "الدولة المدنية" الذي يرفعه الدعم السريع جاء نتيجة ظروف الحرب الطارئة، وليس تخطيطاً مسبقاً. الحركة الإسلامية لا يمكن القضاء عليها بالسلاح فقط، بل عبر تجفيف منابع التيارات الدينية بمشروع وطني شامل.
العقل الفاعل كبديل
العقل الفاعل هو الذي يعي بالأزمة معرفياً ووجودياً، ويدرك عوائق الحراك الاجتماعي. هذا العقل قادر على الشروع في حركة تنويرية تطرح مشروع نهضة حقيقي، بعيداً عن الشعارات الانفعالية التي سادت في التجارب السابقة. لتحقيق ذلك، لابد من وحدة القوى المدنية وإصلاح الأحزاب وتأسيس قيم جديدة تخرج عن المصالح الذاتية.
الهوامش
1. عن مقال في الوفاق - al-vefagh.net
2-4. بيتر أدوك نياما - جنوب السودان والحرب الدائمة - النخبة الإثنية والدولة المعطوبة، 2018 (نسخة معربة)
2. شوقي جلال - الفكر العربي وسوسيولوجيا الفشل - مؤسسة هنداوي،لندن، 2017. (نسخة على الإنترنت)