فراس ياغي يكتب : ما بعد الفرط صوتي؟ ... صاروخ أيقظ إسرائيل

فراس ياغي يكتب : ما بعد الفرط صوتي؟ ... صاروخ أيقظ إسرائيل
فراس ياغي

بقلم: فراس ياغي

قالوا في إسرائيل إن الصاروخ اليمني أيقظ كل دولة إسرائيل، لكن ما لم يُقال هو أن هذا الصاروخ غير كل المشهد. بل وأكثر من ذلك، قام بعملية تبريد عاجلة للرؤوس الحامية وأعادها إلى رشدها بعض الشيء. فمَن كان يفكر بالنار فقط، وقد غرق في نشوة الدم الغزي والحرب الإبادة في غزة، ووهم أنه قادر على الاستمرار في هذه الثمالة بدماء اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين والسوريين والعراقيين، ليصل بعد ذلك إلى دماء الإيرانيين، جاء صاروخ "الحوثي" الفرط صوتي ليوقظه من ثمالته. وكما يقولون: "ما بعد السكرة تأتي الفكرة"، والفكرة أصبحت واضحة تمامًا. دولة إسرائيل الآن بلا ردع استراتيجي، وقيادتها الحالية، التي تتميز بفكر ميسيائي بقيادة "نتنياهو"، تدفعها نحو الهاوية والدمار.

"حكومة الصفر"، كما أسماها "يائير غولان"، رئيس القائمة الديمقراطية (تحالف حزب العمل مع ميرتس) ونائب رئيس هيئة الأركان السابق، تشير إلى دولة بلا خيارات واقعية أو أهداف استراتيجية قابلة للتحقيق.

تحدثوا عن تصعيد وتوسيع العمليات القتالية في لبنان، واشترط "نتنياهو" لذلك عاملين: استعدادات الجيش ومدى قدراته، والضوء الأخضر الأمريكي. لكن جاء الصاروخ اليمني لينسف تلك الشروط، مشعلًا ضوءًا أحمر لا ينطفئ. ففي حالة الصاروخ اليمني، كان لدى إسرائيل 11 دقيقة على الأقل للرد. أما إذا انطلق الصاروخ من لبنان، فلن يكون لدى إسرائيل حتى وقت لإطلاق صفارات الإنذار أو الاحتماء في الملاجئ. فكيف يتحدثون عن توسيع العمليات القتالية، خصوصًا إذا اتضح أن لدى حزب الله أسلحة أكثر تطورًا من الصواريخ الباليستية اليمنية؟

إسرائيل الآن بحاجة إلى التحول من دولة الخيارات الصفرية إلى دولة ذات خيارات مرنة وقادرة على التكيف في منطقة تعج بالتحديات. التصعيد ليس الحل، وإدارة ظهرها للقضية المركزية، قضية فلسطين، لن يحقق الاستقرار. الحل يبدأ بوقف العدوان على غزة والانسحاب الشامل من القطاع، وتحمل المسؤولية عما جرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، والبدء بعملية سياسية تؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة. أما الذهاب إلى خطة "الحسم السموتريتشية"، فهي بالتأكيد ستجر المنطقة، بما فيها إسرائيل، نحو نهايات كارثية.

يراهن "نتنياهو" على إدارة العنف للحفاظ على بقائه وبقاء تحالفه الحريدي والميسيائي، ويراهن أيضًا على التدخل الأمريكي في حال تصاعد الوضع في المنطقة. لكن الصاروخ اليمني جاء في الوقت المناسب ليحسم كل الرهانات. فقد أثبتت الأحداث أن الدفاعات الجوية الأمريكية، سواء في اليابسة أو البحر، لم تستطع إيقاف صاروخ واحد. فما بالكم إذا كان هناك العشرات؟

"نتنياهو"، الذي يهدد بالرد على "الحوثيين" وبتدفيعهم ثمنًا باهظًا، لم يفهم الرسالة، أو لا يريد فهمها. خياراته الصفرية ستؤدي إلى دمار كبير في إسرائيل، وربما إلى انهيارها. بعد هذا الصاروخ الفرط صوتي، الأمور ليست كما كانت من قبل. وما هذا الصاروخ إلا إشارة لـ"نتنياهو" ووزير دفاعه "غالنت" وقيادات الجيش بأن أقصر الطرق لوقف الانحدار نحو الهاوية هو الذهاب إلى صفقة تبادل أسرى، كما وافقت عليها حركة حماس والمقاومة.

يبقى السؤال: هل وصلت الرسالة؟ نعم، وصلت بوضوح، لكن هناك من يعيش في حالة إنكار ذاتي بسبب تركيبته النفسية، ويضع مصالحه الشخصية فوق مستقبل دولته الاستراتيجي. "نتنياهو" يقود إسرائيل نحو خراب الهيكل الثالث المزعوم، والسؤال الآن: هل يوجد في إسرائيلمن يستطيع وقفه؟