العقل الدائري وأسطورة مقتل حميدتي: قراءة في خطاب الحرب السودانية
بقلم: أحمد محمود أحمد
مدخل: منذ اندلاع الحرب في السودان، برزت سرديات عديدة حول قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من بينها الأسطورة التي روجت لها بعض عناصر الحركة الإسلامية ومؤيدوها حول مقتله. ورغم استمرار الحرب، وظهور حميدتي مرة أخرى، تم الانتقال إلى فرضية جديدة تفيد بأنه ربما فقد عقله. هذا المقال لا يهدف للدفاع عن حميدتي أو قواته، بل يسعى لتفكيك الخطاب الحربي المحيط بهذه المزاعم، وتحديدًا التفكير "الدائري" الذي يسود وسط بعض الأطراف الفاعلة.
العقل الدائري وأزمة التفكير: يوصف الخطاب السائد بين مؤيدي الحرب السودانية، خاصة بين عناصر الحركة الإسلامية، بالعقل الدائري. هذا النوع من التفكير يرفض مواجهة الحقائق، ويدور حول نفسه لتقديم مبررات ملفقة تناقض الواقع. ففي كل مرة تظهر حقيقة جديدة حول الحرب، يعاود العقل الدائري الالتواء عليها بمقولات متناقضة، مما يجعله عاجزًا عن التعامل مع الواقع بشكل منهجي وتقدمي.
عندما اندلعت الحرب، بدأت سردية مقتل حميدتي في الظهور، مدعومة بأقاويل تفيد أن الاستخبارات السودانية حددت موقعه وتم استهدافه. ولكن في نفس الوقت، روجت رواية أخرى تقول إن حميدتي بدأ الحرب بمباغتة الجيش السوداني، مما يثير تساؤلات حول كفاءة الاستخبارات التي زُعم أنها كانت تعرف موقعه مسبقًا. هذا التناقض يُظهر مدى الفوضى في التفكير الدائري، حيث يتم تقديم روايات متضاربة دون أي محاولة لمراجعة أو فحص دقتها.
من مقتل حميدتي إلى الجنون: بعد فشل سردية مقتله، خرج العقل الدائري بنظرية أخرى، وهي أن حميدتي لم يمت ولكنه فقد عقله. وفقًا لبعض الشخصيات العامة، مثل محمد جلال هاشم، يدّعون أن الاستخبارات العسكرية تركت حميدتي دون استهدافه لأنه لم يعد في كامل قواه العقلية، ووجوده بهذا الشكل أفضل من استبداله بشخص آخر يتمتع بعقل سليم. هذه النظرية لا تكتفي بتزييف الواقع، بل تذهب إلى مستوى جديد من التلفيق، حيث يتم اعتماد أقوال غير موثوقة لتبرير الفشل في التخلص من حميدتي.
التكنولوجيا والخيال: في محاولة أخرى لتبرير تناقضاتهم، ادعى العقل الدائري أن ما نراه من ظهور لحميدتي على الشاشات ما هو إلا محاكاة بالذكاء الاصطناعي أو روبوت تم تصنيعه من قِبل قوى أجنبية. رغم أن هذا الفكر يأتي من جماعات كانت تعارض بشدة منجزات الغرب، إلا أنه يتم توظيف التكنولوجيا في هذه الحالة لتشويه صورة الخصوم، بدلاً من استخدامها بطرق عقلانية ومنطقية.
خاتمة: في ظل الحرب الحالية، يبقى حميدتي شخصية عامة يمكن نقدها ومحاسبتها. ولكن، أن يتحول خصومه إلى استخدام الأكاذيب والتلفيقات دون أدنى احترام للحقيقة، فهذا يكشف عن مستوى الانحطاط في الخطاب الحربي الحالي. هذا التفكير الدائري، الذي يعتمد على تلفيق الحقائق وتزوير الواقع، لا يقود سوى إلى استمرار التيه وفقدان البوصلة الأخلاقية.