علي فوزي يكتب: إلى أين يتجه السودان؟
بقلم: الكاتب الصحفي علي فوزي
تشهد السودان أزمة معقدة تتفاقم يومًا بعد يوم، حيث يستمر الصراع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في ظل تصاعد العنف والنزاعات المسلحة في مختلف أنحاء البلاد، ما يعكس تحديات كبيرة على المستوى السياسي والاجتماعي والإنساني. هذا الصراع المستمر يثير تساؤلات حول مستقبل الحرب في السودان وإمكانية الوصول إلى حلول دائمة تضمن السلام والاستقرار.
1. السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع
أولاً: استمرار الحرب وتصاعد العنف
قد يستمر الصراع لفترات أطول في حال فشل الأطراف المتنازعة في التوصل إلى حل سياسي، ما يعني استمرار المعاناة الإنسانية والانهيار الاقتصادي وانتشار الأزمات في مختلف القطاعات. في هذا السيناريو، سيكون الوضع الإنساني في السودان أكثر صعوبة، خاصة مع نزوح ملايين المدنيين، وانتشار الأمراض وسوء التغذية ونقص الخدمات الصحية.
ثانياً: تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ
في ظل استمرار الصراع وفشل الحلول السلمية، قد تتجه البلاد إلى الانقسام وفقًا لمناطق النفوذ العسكرية. حيث تكون مناطق سيطرة القوات المسلحة في جهة، ومناطق نفوذ قوات الدعم السريع في جهة أخرى. هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى تشظي البلاد وضعف سلطة الدولة، مع احتمال تدخل جهات خارجية لتعزيز مصالحها عبر دعم أحد الأطراف المتنازعة.
ثالثاً: التوصل إلى تسوية سياسية شاملة
يبقى هذا السيناريو الأكثر إيجابية والأصعب تحقيقًا في ظل التوترات المتزايدة. قد يتمكن الوسطاء الدوليون، كالاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة، من الضغط على الطرفين لوقف القتال والشروع في مفاوضات شاملة تضمن تمثيلًا لجميع القوى السياسية والعسكرية. هذا الخيار قد يفتح المجال أمام إعادة بناء السودان، مع وضع أسس جديدة للسلام والتنمية.
2. التحديات التي تواجه الحل السلمي
التوصل إلى حل سلمي شامل في السودان يواجه العديد من التحديات الكبيرة، من أبرزها:
أ. انعدام الثقة بين الأطراف المتنازعة
الشكوك المتبادلة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع تجعل من الصعب الجلوس على طاولة المفاوضات بنوايا حقيقية للوصول إلى تسوية سياسية. كما أن التجارب السابقة في الاتفاقيات الضعيفة زادت من صعوبة بناء الثقة.
ب. تعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين
السودان يقع في منطقة ذات أهمية استراتيجية، وقد أدى ذلك إلى تدخلات إقليمية ودولية دعمت طرفًا على حساب آخر، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل وطني يخدم مصالح السودان وأهله، بدلًا من تحقيق أهداف القوى الخارجية.
ج. الأزمات الاقتصادية والإنسانية
مع استمرار الصراع، يعاني السودان من تدهور اقتصادي حاد يجعل من الصعب تمويل عمليات إعادة البناء أو تنفيذ اتفاقات سلام، كما تتفاقم الأزمة الإنسانية بسبب تفشي الأمراض ونقص الغذاء والخدمات الصحية، مما يخلق بيئة غير مستقرة ويزيد من صعوبة تحقيق السلام.
3. الفرص المتاحة لحل الصراع
رغم التحديات المعقدة، توجد بعض الفرص التي يمكن استغلالها لتحقيق تقدم في مسار السلام، منها:
أ. دور الاتحاد الإفريقي في الوساطة
يمكن للاتحاد الإفريقي أن يلعب دورًا رئيسيًا في حل الصراع عبر تنسيق جهود الوساطة وممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على الأطراف المتنازعة. كما يمكنه تقديم دعم لإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يعزز الثقة.
ب. دور المجتمع المدني السوداني
يعتبر المجتمع المدني السوداني طرفًا مهمًا في تعزيز السلام والاستقرار. إذ يمتلك القادة المجتمعيون والدينيون وشيوخ القبائل القدرة على لعب دور الوسيط بين الأطراف المتحاربة، وقدرتهم على تحقيق مصالحة وطنية واسعة، تضمن بناء الثقة بين الأطراف المختلفة.
ج. الدعم الدولي لإعادة البناء
في حال التوصل إلى اتفاق سلام شامل، سيكون هناك حاجة إلى دعم دولي قوي لإعادة بناء السودان وإصلاح بنيته التحتية المنهارة. يمكن أن تساهم المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في تقديم التمويل اللازم لدعم مشاريع التنمية والبنية التحتية، بما يساعد على تخفيف حدة الصراع.
4. خاتمة: رؤية مستقبلية نحو السلام
إن تحقيق السلام في السودان يتطلب تنازلات كبيرة من الأطراف المتنازعة، كما يتطلب أيضًا دعمًا حقيقيًا من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية. لا يمكن إنكار أن تحقيق السلام المستدام في السودان ليس بالأمر السهل، لكنه ضرورة حتمية لمستقبل البلاد واستقرارها. التعاون بين القادة السياسيين والعسكريين والشخصيات المؤثرة في المجتمع السوداني، بدعم من الشركاء الدوليين، يمكن أن يسهم في وضع حد لهذا الصراع المدمر وإتاحة الفرصة لبناء سودان جديد يقوم على أسس من العدالة والتنمية المستدامة.