ختان الإناث: جريمة ثقافية تحت ستار التقاليد وإيقاعات الاحتفال
بقلم: عبد المنعم أحمد مختار
ختان الإناث، تلك الممارسة الضاربة في القدم والتي تُرتكب بحق الفتيات في مجتمعات عديدة، لا تزال تحظى بقبول واسع في بعض الأوساط على الرغم من الأضرار الجسدية والنفسية التي تسببها. يُعرف الختان بأنه إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى، وهو ما تصفه منظمة الصحة العالمية بأنه إجراء غير طبي يضر الفتاة بلا مبرر.
الأنواع والممارسات
في السودان، تنتشر نوعان من هذه الممارسة: "الختان الفرعوني"، وهو الأكثر تشددًا ويشمل استئصال الأعضاء التناسلية بالكامل ثم خياطة الفرج، و"ختان السنة"، الذي يُعتبر أخف وطأة ويحاول البعض تبريره دينياً. تتعرض الفتيات في سن مبكرة، عادةً بين الرابعة والعاشرة، لهذه العملية، التي غالبًا ما تُجرى في أجواء احتفالية مفعمة بالزغاريد وإيقاع "الدلوكة"، على الرغم من المخاطر الصحية والنفسية المرتبطة بها.
أضرار جسيمة وعواقب طويلة الأمد
الختان يتسبب في مضاعفات خطيرة تتراوح بين النزيف الحاد الذي قد يؤدي إلى الوفاة، مرورًا بالتهابات ناتجة عن استخدام أدوات غير معقمة أو إهمال الجروح. كما أن الممارسة تنطوي على مخاطر عدوى بأمراض مثل التهاب الكبد أو الإيدز نتيجة للأدوات الملوثة. في الحالات الأشد خطورة، قد تمتد الإصابة إلى الأنسجة المجاورة، مثل مجرى البول أو الفخذين.
تتفاقم المخاطر مع مرور الوقت، حيث تُصاب بعض النساء بندبات مزمنة أو أورام ليفية تسبب ألماً شديداً أثناء الجماع، إضافة إلى الصعوبات المحتملة أثناء الولادة نتيجة لتمزق النسيج الليفي.
الجانب النفسي
على الصعيد النفسي، غالبًا ما تعاني الفتيات من صدمة عميقة بعد ختانهن، حيث يكتشفن كذب الادعاءات التي تربط بين هذه الممارسة والطهارة أو العفة. الفتاة المختونة قد تعيش حالة من القلق والخوف، وتزداد حدة هذه المخاوف عندما تقترب من الزواج، إذ تعاني من نفور جسدي تجاه العلاقة الجنسية بسبب الألم المتواصل والآثار النفسية العميقة التي يخلفها الختان.
تحديات قانونية واجتماعية
ورغم الجهود المستمرة لمكافحة ختان الإناث في السودان، بما في ذلك إصدارات حكومية مبكرة لتحريم هذه الممارسة منذ القرن التاسع عشر، إلا أن هذه الجريمة لا تزال قائمة حتى اليوم، خصوصًا في المناطق التي تفتقر إلى الوعي والتعليم. القوانين الحديثة التي تم إصدارها في عام 2023، والتي تجرم ختان الإناث وتعاقب مرتكبيها بالسجن والغرامة، لم تحل المشكلة بالكامل، حيث تستمر بعض الأسر في ارتكاب هذه الجريمة تحت غطاء العادات والتقاليد.
الطريق إلى الأمام
على الرغم من أهمية القوانين وجهود المنظمات المحلية والدولية، يبقى الحل الأكثر فعالية في إنهاء ختان الإناث هو زيادة الوعي المجتمعي وتوحيد الجهود المحلية لمكافحة هذه الظاهرة. القضاء على هذه الجريمة يتطلب تضافرًا بين جميع القوى الفاعلة في المجتمع، مع التركيز على التعليم والتوعية بحقوق الفتيات، وهو ما قد يثمر عن تغيير حقيقي في المجتمعات التي لا تزال ترى في الختان جزءًا من ثقافتها.
ختامًا، يبقى ختان الإناث جريمة ثقافية تقف عائقًا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية، ويتطلب القضاء عليها إرادة جماعية وجهود مستدامة للوصول إلى مجتمع يحترم حقوق المرأة وكرامتها.