السودان بين تحولات الحرب وسعي للسلام.. هل تستعيد القوى المدنية زمام المبادرة؟

بقلم: د. كمال دفع الله بخيت
تعيش بلادنا مرحلة حرجة من تاريخها، تتسم بأحداث معقدة نتيجة الحرب بين الجيش الوطني السوداني ومليشيا الدعم السريع. ورغم تحقيق الجيش انتصارات متتالية، يحاول البعض التقليل منها عبر ترويج تخيلات وادعاءات لا تستند إلى الواقع، بشأن وجود صفقات خفية.
ومع ذلك، فإن هذه الانتصارات العسكرية لا تعني بالضرورة تعزيز سلطة الجيش، بل ربما تؤدي إلى تحول في المشهد السياسي يستدعي النظر في دور القوى المدنية ومشاركتها الفعالة في صياغة مستقبل البلاد. ويمكن النظر إلى خطاب السيد عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، في هذا الإطار، دون إهماله.
التحولات العسكرية
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الجيش، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، قد تمكن من إحراز تقدم في معركته ضد قوات الدعم السريع. ورغم هذه الانتصارات، يتساءل كثيرون عن الأسباب التي قد تدفع الجيش إلى تبني استراتيجية الحوكمة المدنية، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية والمحلية لإعادة السلطة إلى المدنيين والتاريخ يُظهر أن عبارة "جيش انتصر" لا تعني دائمًا احتفاظه بالسلطة، إذ شهدت دول عديدة انسحاب جيوشها من الحكم بعد تحقيق انتصارات عسكرية، وتقاسمها السلطة مع المدنيين.
التاريخ وتجربة السيطرة العسكرية
هناك تجارب تاريخية تشير إلى أن الجيوش التي انتصرت في الحروب اختارت العودة إلى الحكم المدني أو التعاون مع القوى السياسية لتحقيق استقرار أكبر. ففي العديد من الدول التي شهدت حروبًا أهلية، استُخدمت الانتصارات العسكرية كوسيلة للبدء في مفاوضات سلمية تمهد لتحول ديمقراطي.
في السودان، يمكن استحضار تجربة الجيش بعد انتفاضة أبريل 1985، عندما قاد الفريق سوار الذهب انتقالًا سلمياً إلى الحكم المدني، متخليًا عن السلطة بعد فترة انتقالية قصيرة. ومع ذلك، فإن التحديات الحالية تختلف تمامًا، إذ تتشابك المصالح السياسية والعسكرية بشكل أكثر تعقيدًا، مما يستدعي تفكيرًا استراتيجيًا دقيقًا في كيفية إدارة المرحلة المقبلة.
القوى المدنية: التحديات والطموحات
تواجه القوى المدنية تحديات متزايدة، خاصة بعد فشلها في إدارة الحوار الوطني والسياسي عقب الثورة. فهي الآن منقسمة، وغير قادرة على تقديم بدائل حقيقية تعبر عن تطلعات الشعب السوداني. وهناك انطباع متزايد بأن المواطنين أصبحوا يرون في الجيش خيارًا أكثر استقرارًا مقارنة بالقوى المدنية، رغم سعي بعض الناشطين والسياسيين للتقليل من انتصارات الجيش والتركيز على أخطائه.
لذلك، على القوى المدنية أن تعيد تقييم استراتيجياتها، وتسعى إلى التوحد حول برنامج واضح ومشترك، قادر على كسر دائرة الصراع السياسي، بعيدًا عن المناورات الأيديولوجية الضيقة.
ما المطلوب من القوى المدنية؟
لإعادة بناء الثقة مع الشعب والمجتمع الدولي، يتوجب على القوى المدنية:
1. تحديد رؤية واضحة: من الضروري وضع خطة متكاملة لتعزيز الحكم الرشيد، تشمل محاور السلام، الأمن، والتنمية.
2. تعزيز الوحدة: يجب توحيد الصفوف بين القوى المدنية، واستبعاد الخلافات التاريخية أو السياسية، والتركيز على القضايا المشتركة التي تمثل تطلعات الشعب.
3. استعادة ثقة المواطن: ينبغي بذل جهد حقيقي لمعالجة المشكلات اليومية التي يواجهها السودانيون نتيجة الحرب، مع تقديم رؤية واضحة لمستقبل البلاد.
4. فتح قنوات حوار مع الجيش: يجب العمل على تشكيل تحالف بناء مع المؤسسة العسكرية، بما يضمن العودة التدريجية إلى الحكم المدني، مع مراعاة المخاوف السياسية والأمنية.
ختامًا
يدخل السودان مرحلة جديدة تتطلب من جميع الأطراف، وخاصة القوى المدنية، تبني نهج أكثر وعيًا وواقعية. يجب أن تسود الحوارات البناءة والوفاق الوطني، حيث إن المشروع الوطني يجب أن يعكس تطلعات الشعب، بدلاً من أن يكون وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة.
إن قدرة الشعب السوداني على استعادة حلمه في السلام والعدالة تعتمد على مدى وعي القوى السياسية والمدنية، بما في ذلك لجان المقاومة، بالتحولات الجارية، خاصة في ظل دور الجيش في المعادلة السياسية الحالية.