ترامب وأفريقيا: تجديد الاستراتيجيات في زمن الابتزاز الاقتصادي

بقلم: د. كمال دفع الله بخيت
على ضوء المستجدات السياسية العالمية، يتوجب علينا أن نعيد النظر في العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، خاصةً مع عودة دونالد ترامب إلى صدارة المشهد السياسي. وقد كسر ترامب التقاليد خلال حفل تنصيبه الاخير اللسبوع الماضي في 20 يناير 2025، حيث دعا عددًا من القادة الأجانب، على غير المعتاد في حفلات تنصبب للرؤساء الامريكان مسلطًا الضوء على نهجه غير التقليدي في السياسة الدولية، وهو النهج الذي اتخذ طابعًا أكثر وضوحًا خلال فترة رئاسته السابقة. فالكلمات والتصريحات التي أطلقها ترامب بشأن أفريقيا كانت تؤشر إلى غموض مواقفه، حيث وصف بعض الدول الأفريقية بأنها "حثالة"، مما أطلق موجة من الاستياء والغضب على الساحتين المحلية والدولية.
على الرغم من الانتقادات، فإن تجاهل ترامب للقارة الأفريقية لم يكن مجرد صدفة، بل كان جزءًا من استراتيجيته العامة التي تركز على "أمريكا أولاً". هذا التوجه أدى إلى تراجع ملحوظ في العلاقات الأمريكية مع العديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك تقليص المساعدات الخارجية، الأمر الذي أثر سلبًا على جهود التنمية والديمقراطية في المنطقة.
ومع عودة ترامب، قد تلوح في الأفق فرصة لإعادة تقييم تلك السياسات. البيئة الجيوسياسية الراهنة، برفقة التنامي السريع لنفوذ الصين وروسيا في أفريقيا، قد تدفع ترامب نحو استراتيجيات جديدة تهدف إلى تحسين العلاقات مع الدول الأفريقية. هذا التطور قد يكون مدفوعًا أيضًا بالضغط من شركاء الولايات المتحدة، فضلاً عن الحاجة لتأمين المصالح الاقتصادية في ضوء التحديات التي تواجهها.
تشير بعض المؤشرات إلى أن ترامب قد يتبنى نهجًا مغايرًا، حيث قد تُعتبر الروابط التجارية والاستثمارية ضرورة ملحة لتعزيز العلاقات مع الأفارقة. ومع ذلك، فإنّ موقفه قد يأتي مصحوبًا بعقلية تجارية قائمة على الابتزاز، فقد استخدم ترامب في فترة رئاسته الأولى المؤسسات الأمريكية كأداة للضغط الاقتصادي على الدول الأخرى. فعلى سبيل المثال، تمت المطالبة من حلفاء الولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية واليابان، بدفع المزيد من المليارات مقابل حماية القوات الأمريكية لهذه الدول وغيرها من التهديدات الخارجية.
هذا الأسلوب من السياسة الخارجية يعكس نوعًا من "الكولونيالية الجديدة"، حيث تسعى الولايات المتحدة لفرض نفوذها الاقتصادي بطرق غير تقليدية. بدلاً من الاستعمار العسكري، تجد هذه الاستراتيجية من خلال أدوات الضغط الاقتصادي، مثل فرض الرسوم الجمركية المرتفعة، قناة جديدة لتوسيع سيطرتها على الدول الأخرى.
في النهاية، يبقى المشهد مفتوحًا أمام احتمالات جديدة قد تُعيد تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية. إن التحديات الجديدة تضع الكرة في ملعب الإدارة الأمريكية، مما يتطلب رؤية مستدامة تسهم في تعزيز التنمية والديمقراطية بدلاً من نهج يعتمد على الابتزاز الاقتصادي. من أجل فهم هذه الديناميات الجديدة، يحتاج العالم إلى التأمل في التأثيرات التي قد تترتب على العلاقات الدولية في ظل السياسات المتغيرة لترامب، وما تعنيه من تحولات في كيفية تفاعل الدول الكبرى مع العالم النامي.