جرائم الواقع الافتراضي

جرائم الواقع الافتراضي
الدكتور مسعد أبو طالب

بقلم: الدكتور مسعد أبو طالب

الأصل أن أثر الجريمة غالباً ما ينصرف إلى إحساس مادي ملموس يُصيب المجني عليه في جسده أو ماله؛ لكن مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي وتعدد هذه الإستخدامات، ظهرت صور أخرى للجرائم وأثرها النفسي أو الحسي على الأشخاص؛ فالأصل أن يتأثر المجني عليه في الحقيقة أو الواقع، ولكن في ظل التطور الهائل في استخدام التكنولوجيا أصبح الإنسان يتأذى لمجرد الشعور بأثر الجريمة النفسي وليس المادي.

وعلى الرغم من أن التكنولوجيا أصبحت مفيدة في عالمنا المعاصر من أجل تسهيل التواصل وإنهاء الأعمال دون تكبد عناء السفر أو الإنتقال، إلا أنها خلقت نوعاً جديداً من الخارجين على القانون، ولم يقتصر الأمر على الجرائم المالية التي بدأت مبكراً منذ إستخدام التكنولوجيا في التواصل أو حتى في مجال الأعمال والتي تحاول العديد من الشركات ومقدمي الخدمات تجنبها عن طريق الفحص الدائم وتفعيل وسائل الأمن السيبراني.

وقد تجاوز البعض حدود هذه الجرائم، وأصبحت هناك جرائم ترتكب عبر التقنيات الحديثة مثل تقنية الواقع الافتراضي (VR) ما كانت لتُرتكب إلا بتلامس الجاني مع المجني عليه مادياً.

ومن أغرب هذه الجرائم هي جرائم الإعتداء الجنسي عبر تقنيات (VR)، والتي أصبحت منتشرة في الفترة الماضية خاصة ضد فئات عمرية معينة (الأطفال دون 16 عاماً من الجنسين).

وأصبحت الضحايا يشُعرن ويتألمن بأثر الجريمة كما لو كانت حدثت بالفعل، وهو ما دفع إحدى الفتيات إلي الإنتحار في إحدى البلدان الأوروبية ، كأثر لجريمة اغتصاب حدثت لها عبر تقنية الواقع الافتراضي (VR)، إذ وصل بها حد الشعور بأثر الجريمة كما لو كانت حدثت في الواقع الحقيقي.

وإزاء هذه التجاوزات التي تحدث من مستخدمي التقنيات الحديثة والتي تصدر بالكاد عن أشخاص غير أسوياء يتلاعبون في الغالب بمشاعر وعواطف الضحية حتى يُقدم على أفعال قد تضر به أو بالمجتمع، فإننا ننادي مشرعي الدول قاطبةً إلى التدخل وإقرار التشريعات لتجريم هذه الأفعال.

كما أننى أخاطب الفقهاء بضرورة التوسع فى مفهوم النتيجة الإجرامية والتي بالكاد أصبحت في فضاء بعيد عن الواقع المادي الملموس، والبعد عن المفهوم الضيق للمصلحة المحمية جنائياً ، فالمصلحة المحمية جنائياً للحق فى الحياة أصبحت مهددة بجرائم وأفعال أخرى غير القتل التقليدى الذى يصدر من الجانى مستخدماً ألة أو أداة محدثة لجريمة القتل ومؤدية للنتيجة وهى إزهاق الروح ، بل أصبحت المصلحة المحمية جنائياً تمتد لأبعد من ذلك بكثير.

إذ يمثل شعور الإنسان (الضحية) بأثر الجريمة النفسي صورة من صور النتيجة الإجرامية التي قد يعاقب عليها في المستقبل كنتيجة حتمية للجرائم التي تتم عبر الوسائل الإلكترونية والتي لا يتقابل فيها المجرم مع الضحية وجهاً لوجه.