عمرو شعبان يكتب: أخطر 24 ساعة لاجتماع مجلس نقابة الصحفيين السودانيين
بقلم: عمرو شعبان
ينعقد اجتماع مجلس نقابة الصحفيين غدًا افتراضيًا، في ظروف بالغة التعقيد يعيشها السودانيون جميعًا، والصحفيون بشكل خاص. فمنهم من بلغ به اليأس منتهاه، فأدمن التفكير بين طيات الحروف باحثًا عن مخرج مفقود في سكون الحرف الأخير، ومنهم من لم يصب من اللجوء مبلغًا فظل حبيسًا بين خوفه وحاجته... ومنهم، ومنهم، ومنهم.
إن الظروف الحالية هي الأكثر حرجًا في عمر النقابة، التي ما تزال تحبو، تصارع التحديات والتعنت والعسف لتبقى على قيد الحياة في زمن عز فيه الأكسجين، إلا بمقابل يُسدّد إما بالمواقف أو بالمبادئ. ورغم العثرات، فإن النقابة لم تسقط، وهيهات أن تسقط ولو حاصرها الساقطون.
يعقد المجلس وكما هو الحال في أي تجربة ديمقراطية فريدة، تتلاطم أمواج الآراء وتتناقض التقديرات وتتباين المواقف. لكن الجميع يسعى على الأرجح أن يكونوا على قلب رجل واحد أو ربما امرأة واحدة حتى لا يغضب الفمنستيون.
يجتمع المجلس وكثير من الأطراف مترعة بالحيلة، تحمل في حقائبها أوراق الحساب وبعض المعاول لحفر يظنون أنها قادرة على تعبيد الطريق وتسويته، لكنهم بين "تقدم" و"لا للحرب" يضيعون، وفي رواية أخرى يتوهون.
تتفاعل في الاجتماع هموم إجلاء الزملاء، وإيجاد فرص عمل متعثرة، وتكثرت المساهمات لسد النقص. وفي هذه الظروف، لا يبل الريق سوى صمود النقيب في أتون المخاطر، بينما تتلقف الدروب أهل الإعلام.
تتفاعل في المجلس تقييمات الأداء بحثًا عن تحسين، مع استعياذة من تصفية الحسابات، لكن المؤكد أن أداء النقابة في ظل ولادتها الجديدة وظروف الولادة وتعلم المشي وبقائها حتى الآن إنجاز يفوق المتوقع لزملاء وزميلات لم يتدرجوا في العمل النقابي إلا لمدة عامين، كانت لمنهج التجريب فيها القدح المعلى.
تتذكر النقابة في اجتماعها حملة الصحفيين لوقف الحرب، التي تأخرت بفعل بيروقراطية الأداء تارة، وتهويل التجربة تارة أخرى، والاستناد إلى من ليسوا من جسم الصحفيين أقعد الحملة، مما جعلها تعاني من الفشل أحيانًا وضعف الإعلام أحيانًا أخرى. وفي الحالتين، الحساب ولد، ومن يدفع الثمن مؤسسة وليس أفرادًا.
تنعقد الجلسة وزملاء تجاوزوا المائة، حصلوا على الدعم والسند في ظروف يعز فيها المال. إن التكافل والتشاركية هما العنوان الأبرز لجسم بلا موارد.
يعقد المجلس، ومثل كل السودانيين، ثمة كيمياء من الحساسيات تتفاعل لتؤثر على صفو النفس وتركيزها، لمصلحة تصفية حسابات أو إضعاف مراكز قوى. فتكون المحصلة "أنا ربكم الأعلى أرى فترون وأقول فتقولون"، وهو ما لن يكون.
يتمثل التحدي في الملفات العالقة والمعلقة التي تنتظر البت والحسم، لتلحق بنجاح الرصد والحصر ودقة الحريات. كما أن التدريب الذي سعى له الزملاء والزميلات كان له أثره، حيث نال البعض وهناك من ينتظر، لكن القطار ما يزال يدور.
تظل العضوية متفاعلة وتواكب التطورات، في إصرار محسود يزيد من الكشوفات ولا ينتقص من حقوق الأعضاء. ويظل العمل جارٍ بفضل السكرتارية العامة المتسللة عبر "واتساب" والمجموعات، حيث يتوازن العمل على الرغم من ضعف النظر ودموع العيون.
إن المعبر الوحيد والحقيقي عن عمل النقابة، هو العامل الحاسم والمباشر للتعبير عن حيوية النقابة وتأثيرها في الإعلام. فقد كان الإعلام سببًا في انتصار ديسمبر الموقرة، وكان الحلقة الأضعف في فترتي الحكومتين الانتقاليتين، والسؤال المطروح: كيف تحكمون الآن؟!
يعقد المجلس، والعضوية بين قطاع عريض يرى في "تقدم" ما صورته الآلة الإعلامية للبلابسة، بينما يدرك تيار آخر أن حقيقة الأمور تكمن في التجمع، ولم الشمل، والتخندق معًا في جبهة واحدة تتنفس "لا للحرب" ليكون الزفير "نعم للوطن". وبين هذا وذاك، تمر الأجندات والمخاوف والظنون.
لا يوجد وقت لهزائم أخرى تقضي على آخر الأحلام، وتطفئ شمعة نقابة المغفرة في حصار العتمة. إن الحاجة الآن بأكثر مما مضى لصوت الحكمة في إدارة التناقضات وحسم التباينات وتصفية النفوس.
تبرز الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لإبعاد مشتتي التركيز، مدعي الاحترام المغشوش والزائف، الباحثين دائمًا عن الاسترخاء بدواعي وتبريرات مخجلة لا يشفع معها عبارة "السهر وعدم النوم" أو "تأسيس بيت الزوجية". هؤلاء المهمومون بالضحك والموضة والسخرية من الناس في العام والخاص، المفتونون بذواتهم بلا أي مضمون، ومع ذلك يستمر الخداع.
ينعقد المجلس، ومشروعات المساومة الخبيثة قائمة على معادلة: إما الخروج من "تقدم" أو تغيير السكرتاريات. فيكون الحل هو الإمساك باستماتة بنظامنا الأساسي ولوائحنا التي تتسق قسرًا وليس اختيارًا مع نظمنا الأساسية لضمان العبور إلى الضفة الأخرى.
ينعقد المجلس، وعلى أصحاب التسويات أن يستوعبوا أنه لا عبث مع منتوج سهر الليالي وتعب الشهور والسنين، وأن المولود تعمد بعرق رجال قدموا ولم يستبقوا شيئًا.