تغيير العملة في السودان: أداة اقتصادية ضرورية أم خطوة سياسية في ظل الحرب؟
الخرطوم: وادي النيل
اجتمع عدد من الخبراء الاقتصاديين السودانيين حول ضرورة تغيير العملة الوطنية كخطوة عاجلة للقضاء على التزوير والحد من السيولة المتاحة في أيدي المضاربين، وذلك بهدف استعادة التوازن الاقتصادي وإدخال الأموال إلى الدورة النقدية الصحيحة. يرى الخبراء أن هذا التغيير يمثل مطلبًا حتميًا لبدء اقتصاد ما بعد الحرب على أسس صحيحة، مع إمكانية توظيف تلك السيولة في تمويل عمليات إعادة الإعمار.
وجهات نظر متباينة حول التغيير:
رغم تأكيد البعض على أهمية التغيير من الناحية الاقتصادية، يعتقد آخرون أنه يتخذ طابعًا سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا. الدكتور لؤي عبد المنعم، الأكاديمي والخبير المصرفي، يعتبر أن تصريحات محافظ البنك المركزي تأتي في سياق تهدئة الرأي العام، مشيرًا إلى أن التغيير قد لا يحقق النتائج المرجوة في ظل الحرب المستمرة وغياب الاستقرار.
ويرى الدكتور لؤي أن تكلفة تغيير العملة تتراوح بين 40 إلى 50 مليون يورو، وأن هذه العملية تستغرق حوالي ستة أشهر من لحظة توفير التمويل، مما يجعل تنفيذها يتطلب دعماً مالياً خارجياً أو اقتراضاً داخلياً. كما يحذر من أن المليشيات قد تستهدف مواقع جديدة لتعويض الخسائر الناتجة عن استبدال العملة، مما يجعل التنفيذ صعبًا في ظل الظروف الحالية.
حلول بديلة:
وفي نفس السياق، يقترح الدكتور لؤي استبدال تغيير العملة بطرح منتجات مصرفية مثل الجنيه الذهبي الإدخاري، الذي يتم تداوله داخل المصارف، مما يسهم في حشد الموارد للتمويل وحماية رؤوس الأموال من التآكل، والحد من الطلب على الدولار خارج حاجة الاستيراد.
التغيير ضرورة اقتصادية:
من جانبه، يرى الدكتور أبوبكر أحمد كرم الله، الخبير المصرفي، أن تغيير العملة مطلب اقتصادي قديم ومهم لاستعادة النقود المتداولة خارج القنوات المصرفية، والتي تشكل حوالي 80% من الكتلة النقدية. وأشار إلى أن الظروف الحالية تتطلب إعادة النظر في هذا المطلب، رغم التحديات المالية والأمنية التي تواجه تنفيذ القرار.
تحديات أمنية ومالية:
وأشار كرم الله إلى أن تنفيذ قرار تغيير العملة يتطلب السرية التامة، وأن تكون الفترة بين الإعلان والتنفيذ قصيرة جداً لتفادي أي تأثيرات سلبية مثل انخفاض قيمة الجنيه. ورغم التحديات، يؤكد أن القرار ضروري، ولكنه قد يواجه بصعوبات كثيرة في ظل الحرب وعدم استقرار الأمن.
إعادة النظر في التركيبة الفئوية:
بدوره، دعا الدكتور محمد الناير، المحلل الاقتصادي، إلى إعادة النظر في التركيبة الفئوية للعملة السودانية وحذف الأصفار، مشيرًا إلى ضرورة إلغاء التعامل بفئات الألف والخمسمائة جنيه. كما دعا إلى إصدار الجنيهات الذهبية كمخزن للقيمة، مع التأكيد على استخدام هذه الجنيهات داخل النظام المصرفي فقط.
الاستنتاج:
يرى الخبراء أن تغيير العملة مطلب حتمي لا يمكن تجنبه لاستعادة التوازن الاقتصادي بعد الحرب، إلا أن التحديات الأمنية والمالية تجعل من تنفيذ هذا القرار مهمة صعبة في الوقت الحالي.