ضياء الدين يكتب: ثورة ديسمبر مستمرة - لا عودة للوراء
تهديدات (الإسلاميين) لن توقف مسيرة الشعب نحو قيام السلطة المدنية الديمقراطية
بقلم: محمد ضياء الدين
من الواضح أن (الإسلاميين) يتبنون إستراتيجية خبيثة تهدف إلى إستغلال الحرب المستمرة كأداة للعودة إلى السلطة من جديد. لم يعد هناك شك في ذلك، فالحرب ليست سوى وسيلتهم الأخيرة لإعادة تموضعهم السياسي، متجاوزين مطالب الشعب وتطلعاته. كما أن رفضهم القاطع لأي تسوية سلمية أو اتفاق ينهي الحرب يفضح نواياهم الحقيقية في إبقاء البلاد تحت لهيب الصراع لتحقيق أهدافهم الضيقة، متجاهلين المعاناة الإنسانية ومطالب الشعب السوداني بالحرية والسلام.
الإسلاميون، الذين أطيح بهم بعد ثلاثين عاما من الحكم القمعي والفساد الممنهج، يسعون اليوم لإحكام قبضتهم على البلاد مرة أخرى عبر الحديث عن إنتخابات مفصلة على مقاس مصالحهم الضيقة ، معتقدين أن الحرب قد حُسمت لصالحهم، وأن المواطنين الذين يقفون مع القوات المسلحة السودانية كمؤسسة وطنية، سيكونون رصيدهم السياسي والإنتخابي. لذلك كثر حديثهم مؤخرا عن الإنتخابات والتلويح بها في مواجهة خصومهم السياسيين، وكأنهم وصلوا إلى السلطة في عام 1989 عبر الإنتخابات. وكما هو معروف عنهم، يخططون مبكرا لإنتخابات دون ديمقراطية حقيقية، يصممون لإنتخابات الغش (كما إعتادوا) ، تحت حراسة العسكر، لن تكون سوى غطاء لعودتهم إلى الحكم دون محاسبة على الجرائم والإنتهاكات التي إرتكبوها خلال سنوات حكمهم. في مخططاتهم المعتادة، يهدفون إلى إستغلال مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية والإقتصادية والعدلية ، التي نجحوا في إستعادتها بعد إنقلاب 25 أكتوبر 2021، لضمان إستمرار نفوذهم وهيمنتهم. هذه المؤسسات، التي طالما إستخدموها لنهب موارد البلاد والتمسك بالسلطة، عادت مرة أخرى تحت سيطرتهم، مما يعكس عودة التمكين للنظام القديم في إطار جديد .
في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع السوداني إلى بناء دولة مدنية تقوم على أسس الديمقراطية والعدالة، تتضح نوايا (الإسلاميين) من خلال تصريحات قياداتهم السياسية التي عادت إلى الساحة السياسية والإعلامية، مهددة علنا بالقتل والتصفية لكل من يجرؤ على الوقوف في طريقهم. تلك التهديدات المباشرة موجهة إلى الثوار والسياسيين الذين يرفضون عودتهم تحت ظلال الحرب والبندقية ، إضافة إلى تهديد الخصوم السياسيين بالعنف ضد كل من يسعى للمقاومة أو العودة إلى البلاد. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن (الإسلاميين) لا يعترفون بقواعد العملية الديمقراطية أو إرادة الشعب، وأن الحديث عن الإنتخابات هو مجرد غطاء وإدعاء بالرهان على الشعب الذي أسقط سلطتهم، فهم لا يعرفون سوي العنف والتهديد كوسيلة لإسكات الأصوات المطالبة بالعدالة والتغيير.
من هنا، نذكرهم بأن أي حديث عن الإنتخابات في الوقت الحالي هو حديث سابق لأوانه في ظل إستمرار المعارك. الأولوية بالنسبة للشعب السوداني وقواه الحية هي إنهاء الحرب وتحقيق السلام. وأيضا نذكرهم أن الانتخابات يجب أن تكون مرتبطة بفترة إنتقالية مدنية حقيقية تضمن تفكيك بنية التمكين التي رسخها (الإسلاميون) في أجهزة الدولة على مدى عقود. بدون هذه الترتيبات، ستبقى الإنتخابات مجرد وسيلة لإعادة إنتاج النظام القديم تحت مسمى جديد. فالإنتخابات الحرة والنزيهة لا يمكن أن تُجرى إلا في بيئة ديمقراطية تضمن المساواة بين جميع القوى السياسية، وتمنع (الإسلاميين) وغيرهم من إستغلال نفوذهم المالي والأمني لفرض سيطرتهم مرة أخرى.
وليعلم الجميع أن ثورة ديسمبر المجيدة، رغم عدم إكتمالها، ليست مجرد لحظة عابرة، بل هي حراك شعبي مستمر، يصعد ويهبط، يمر بحالات مد وجزر، لكنه لا يموت. إنها ثورة تهدف إلى بناء دولة مدنية حديثة تقوم على العدالة والمساواة والتقدم. الشعب السوداني الذي أسقط حكم (الإسلاميين) في ديسمبر 2018 لن يسمح لهم بالعودة إلى السلطة عبر استغلال الحرب أو التهديد بالعنف. الطريق الوحيد لـ(الإسلاميين) للعودة إلى المشهد السياسي هو عبر إحترام قواعد الديمقراطية الحقيقية، والإعتراف بمبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وليس عبر الترهيب أو القوة.
على (الإسلاميين) أن يدركوا أن سودان ما بعد الحرب لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الماضي المظلم، بل على أسس السلام والتوافق الوطني، بعيدا عن الإستغلال والتحريض على العنف.