سجال أدبي وسياسي حول رواية "إعدام جوزيف": نقاش مفتوح بين المؤلف والنقاد

سجال أدبي وسياسي حول رواية "إعدام جوزيف": نقاش مفتوح بين المؤلف والنقاد
الدكتور ضيو مطوك ديينق وول- وادي النيل

بقلم: الدكتور ضيو مطوك ديينق وول 

شهدت الساحة الأدبية والثقافية في السودان سجالًا فكريًا مثيرًا عقب تدشين رواية "إعدام جوزيف"، التي أثارت نقاشًا واسعًا بين النقاد والمهتمين بالشأنين الأدبي والسياسي، أبرزهم الدكتور ضيو مطوك ديينق وول، والأستاذ الصادق علي حسن المحامي، الذي لاقت مقالاته صدى كبيرًا في الأوساط السودانية.

تصريحات مثيرة للقلق: الوحدة الوطنية في مهب الريح؟

بعد انتهاء حفل التدشين، همس أحد الحضور - لم يُعرف اسمه - للمؤلف قائلًا: "بختكم يا جنوبيين، جوزيفكم قُتل وانفصلتم، لكن جوزيفنا لا يزال يُقتل". عبارة وصفها الكاتب بأنها مثيرة للقلق بشأن مستقبل وحدة السودان، مؤكداً أنها تجد صدى لدى الجميع، بمن فيهم هو شخصيًا.

قراءة في مواقف الصادق علي حسن: الدفاع عن الحقوق أم تحيز سياسي؟

يرى مؤلف الرواية أن انطلاق مقالات الأستاذ الصادق علي حسن جاء بدافع رئيسي يتمثل في خلفيته القانونية، إذ تحمله مسؤولياته المهنية والإنسانية للتصدي للظلم والتمييز العنصري، سواء في جنوب أفريقيا أو فلسطين أو أوكرانيا أو حتى في السودان. وقال الكاتب إن روايته "إعدام جوزيف" ولدت من رحم هذه القضايا، مؤكدًا أن الصادق ليس وحده في هذا الخندق، بل يشاركه العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات.

ويعتقد الكاتب أن الصادق شعر بخطر يهدد السودان، فاختار "قرع الجرس" للتحذير من تداعيات استمرار الظلم والتمييز، معتبرًا أن تجاهل هذه القضايا يهدد وحدة السودان ويستدعي تدخل المفكرين والمثقفين لمنع تكرار سيناريو انفصال جنوب السودان في مناطق أخرى.

لكن المؤلف لم يخفِ تحفظه، متسائلًا عن احتمال وجود دافع سياسي ثانٍ وراء مقالات الصادق، يتمثل في ميوله لحزب الأمة ومحاولاته الدفاع المستميت عن الحزب في وجه الانتقادات الموجهة لدوره في الأوضاع المتدهورة بالبلاد، خاصة في ملف العدالة. وأشار إلى أن الصادق ظل يكرر في كتاباته أهمية الالتزام بالقواعد التأسيسية للدولة السودانية، وعلى رأسها استحقاق الفيدرالية للمديريات الجنوبية الثلاث، وهي القاعدة التي يرى المؤلف أنها تعرضت للتجاهل والإقصاء من قبل القوى السياسية.

حزب الأمة: سؤال عن الدور والمواقف التاريخية

طرح المؤلف تساؤلات جوهرية حول موقف حزب الأمة من هذه القواعد ومن اتفاقية أديس أبابا، متسائلًا: "كيف لحزب الأمة الذي نال ثقة السودانيين في أربع انتخابات عامة أن يتجاهل هذه المرجعيات؟"، وأين كان الحزب من محاولات إنقاذ وحدة السودان، لا سيما بعد توقيع الصادق المهدي على وثيقة المصالحة الوطنية مع جعفر نميري عام 1977؟

واستشهد المؤلف بكتاب السياسي الجنوبي أبيل ألير "جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود"، مؤكدًا أن انفصال جنوب السودان لم يكن لحظة عابرة، بل نتيجة مسار طويل من نقض العهود، رغم منح الجنوبيين أشقاءهم في الشمال فرصة ستة عقود لتصحيح الأوضاع.

أحداث الضعين و"المراحيل": مسؤوليات لا تسقط بالتقادم

أعاد المؤلف التذكير بمجزرة الضعين، التي قُتل فيها نحو 200 مواطن جنوبي حرقًا داخل عربات القطارات، معتبرًا إياها شاهدًا على عمق المأساة، مشيدًا بالدور الشجاع للدكتور سلمان بلدو والدكتور عشاري أحمد محمود اللذين وثّقا الجريمة، رغم ما تعرضا له من مضايقات دفعت بهما إلى مغادرة البلاد.

وانتقد المؤلف تقليل الصادق علي حسن من خطورة "المجاهدين" أو قوات الدفاع الشعبي في عهد البشير، مؤكدًا أن هذه القوات امتداد لقوات "المراحيل" في جنوب دارفور وغرب كردفان، لكنها تطورت لاحقًا بعقيدة جهادية، وهي الخلفية التي استعرضها الكاتب في مشهد من روايته.

ختامًا: احترام الآراء رغم الخلاف

أعرب مؤلف "إعدام جوزيف" عن شكره لكل من أسهم برأي أو نقد للرواية، مؤكدًا احترامه لجميع وجهات النظر، حتى تلك التي لم يتفق معها، معتبرًا النقاش حول الرواية فرصة لإعادة التفكير في قضايا الهوية، الوحدة، والعدالة في السودان.

يظل هذا السجال مفتوحًا، يعكس عمق التداخل بين الأدب والسياسة في السودان، في ظل بحث مستمر عن إجابات لماضي مؤلم ومستقبل مأمول.