رؤية مستقبل السودان في ظل الأزمات الراهنة والتطورات الإقليمية والدولية

رؤية مستقبل السودان في ظل الأزمات الراهنة والتطورات الإقليمية والدولية
السودان - وادي النيل

بقلم:رامي زهدي – خبير الشؤون الإفريقية 

يمر السودان بمرحلة مفصلية من تاريخه، حيث تتشابك الأزمات الداخلية بالحروب والصراعات الإقليمية والدولية لتلقي بظلالها على مستقبل الدولة السودانية. في ظل الحرب الدائرة بين القوات المسلحة السودانية ومليشيات الدعم السريع الغير شرعية والخارجة عن النظام، والأوضاع الإنسانية المتدهورة، يبرز تساؤل رئيسي: ما هو مستقبل السودان؟

الإجابة على هذا السؤال،ربما تتطلب النظر في مجموعة من العوامل، بدءاً من تأثير الحرب والأزمات الاقتصادية، مروراً بتداعيات الصراعات الدولية والإقليمية، وصولاً إلى الدور المصري المحوري وجهود المجتمع السوداني في رسم ملامح المرحلة القادمة.

أولاً: استمرار الحرب والأزمات الإنسانية والاقتصادية

اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية ومليشيات الدعم السريع تسبب في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ السودان الحديث وفي تاريخ افريقيا بالكامل. تجاوز عدد القتلى عشرات الآلاف، فيما نزح الملايين داخلياً وخارجياً، لتشهد البلاد حالة شلل كامل في القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم والزراعة.، ولاسيما ان السودان دولة افريقية وعربية كبيرة ومؤثرة. 

الأزمة الاقتصادية فاقمت من الأوضاع، حيث شهدت العملة السودانية انهياراً حاداً، وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية. ومع غياب أي أفق قريب لإنهاء النزاع، يبقى السودان في مواجهة مأساة مستمرة تهدد وجوده كدولة مستقرة، او الأقل كدولة موحدة، بينما يلوح في الأفق أخطار التقسيمات السياسية والجغرافية والدولة الفاشلة، بعد ان قتل الحكم البشيري السودان، قتل الدولة والشعب عبر 30 عاماََ جاهد فيها النظام البائس من أجل قتل طموح الدولة السودانية وحصر الشعب السوداني العظيم في دائرة الجوع والمرض والعوذ. 

ثانياً: تطورات الصراعات الدولية في روسيا وأوكرانيا وانعكاسها على السودان

ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على السودان بشكل غير مباشر. أدى الصراع إلى تعطيل الإمدادات الغذائية العالمية، مما جعل السودان يعاني من نقص حاد في السلع الأساسية.

علاوة على ذلك، تسعى الأطراف السودانية المتنازعة إلى الاستفادة من التحالفات الدولية، حيث تتنافس القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة والصين على تعزيز نفوذها في السودان والمنطقة. هذا الصراع على النفوذ يزيد من تعقيد المشهد السوداني، خاصة مع وجود موارد استراتيجية مثل الذهب الذي أصبح محوراً لتنافس إقليمي ودولي.

ثالثاً: التوترات في الشرق الأوسط

تصاعدت التوترات في الشرق الأوسط مع اندلاع الصراعات في غزة ولبنان وسوريا وليبيا، مما أثر بشكل غير مباشر على السودان. هذه الحروب تسهم في تحويل اهتمام المجتمع الدولي بعيداً عن الأزمة السودانية، كما أن بعض الأطراف السودانية قد تلجأ إلى استلهام استراتيجيات عنف مشابهة لما يحدث في تلك المناطق.، بل اصبحت الأزمة السودانية في فترات كثيرة "أزمة منسية" ، و"صراع متُجاهل". 

رابعاً: التغيير السياسي والميداني في سوريا

أصبح الملف السوري مرجعاً لفهم ديناميكيات الأزمات الإقليمية. حيث يشير التغيير الميداني والسياسي في سوريا إلى إمكانية تحول السودان إلى ساحة صراع طويل الأمد إذا لم يتم احتواء الأزمة الحالية.

بينما تشابه الظروف بين الدولتين، من حيث التدخلات الخارجية والنزاعات المسلحة الداخلية، يجعل من الأزمة السودانية نموذجاً مرشحاً للتكرار إذا استمرت الحرب دون حلول شاملة.

خامساً: استمرار الدور المصري في حل الأزمة السودانية

لطالما كانت مصر شريكاً استراتيجياً للسودان، وسعت إلى لعب دور محوري في إنهاء الأزمة من خلال الوساطات السياسية والدعم الإنساني. حيث أن المبادرات المصرية تستهدف الحفاظ على وحدة الأراضي السودانية وضمان استعادة الأمن والاستقرار، وتعمل دائما وفق إرادة وتطلعات الأمة السودانية. 

تعمل مصر على استضافة المفاوضات بين الأطراف السودانية، بالإضافة إلى دعمها للمنظمات الإنسانية العاملة في السودان. ويمثل الدور المصري نموذجاً للتعاون الإقليمي الذي يمكن أن يكون مفتاحاً لحل الأزمة.، ورغم استمرار الحرب، لاتزال مصر هي القوة الإقليمية الأكثر عناية واهتماماََ وإخلاصاََ لحل الأزمة السودانية. 

سادساً: مستقبل الحياة السياسية في السودان وفرص عودة الدولة

رغم الوضع الحالي، هناك أمل في عودة الدولة السودانية إذا تم التوصل إلى وقف شامل للحرب. و يتطلب ذلك إعادة بناء نظام سياسي يستوعب كافة مكونات المجتمع السوداني، مع التركيز على تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار.

لكن تظل عودة الحياة السياسية تعتمد على قدرة السودانيين على تجاوز الخلافات، وتعزيز دور المؤسسات المدنية، وضمان شمولية العملية السياسية.

سابعاً: دور المجتمع السوداني والحياة القبلية في حل الأزمة

يشكل المجتمع السوداني، بتركيبته القبلية والسياسية المعقدة، ركيزة أساسية لأي حل مستدام. القبائل والنخب السياسية تلعب دوراً محورياً في تحقيق المصالحة الوطنية.

و يجب أن يتم إشراك هذه المكونات في حوار وطني شامل يهدف إلى وضع رؤية موحدة لمستقبل السودان، مع ضمان تمثيل عادل لجميع الأطراف.

ثامناً: فرص تفوق القوات المسلحة السودانية

في ظل استمرار الصراع، تظل القوات المسلحة السودانية الطرف الأكثر شرعية بحكم كونها المؤسسة الوطنية الرئيسية. تعتمد فرص تفوقها على قدرتها على الحفاظ على تماسكها الداخلي، والحصول على دعم المجتمع الدولي والمحلي، وتقديم رؤية واضحة لمستقبل الحكم في السودان بعد الحرب.

تاسعاً: جرائم مليشيات الدعم السريع ومعالجة آثار الأزمة

تشير التقارير إلى ارتكاب مليشيات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، من قتل ونهب وتشريد. معالجة هذه الجرائم ستكون جزءاً أساسياً من أي عملية إعادة بناء مستقبلية.

ويجب ان تتم المحاسبة القانونية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، ستكون ضرورية لاستعادة الثقة بين المكونات المختلفة للمجتمع السوداني.

عاشراً: شكل ومصير نهاية الأزمة السودانية المتوقع

استناداً إلى المعطيات الحالية، يمكن تصور عدة سيناريوهات لنهاية الأزمة:

أولا: التسوية السياسية الشاملة: إذا نجحت الجهود الدولية والإقليمية في التوصل إلى اتفاق سلام.

ثانيا: استمرار الصراع: إذا استمرت التحديات الحالية دون حلول جذرية.

ثالثا: التفكك الإقليمي: إذا طالت مدة الحرب، مما قد يؤدي إلى تقسيم السودان فعلياً.

رابعا: إنتصار حاسم للقوات المسلحة السودانية ونهاية تدريجية لتواجد وتكوين قوات الدعم السريع ثم مرحلة اكثر صعوبة لإستعادة الدولة السودانية دون تقسيم او انفصال ومحاولة تجاوز آثار الحرب المدمرة، وهو الإحتمال الأقرب من وجهة نظري رغم عدم وضوح او عدم اليقين للمدي الزمني لتحقيق ذلك، وهذا الإحتمال بني علي دعائم متعددة ربما يمكن تناولها في تحليلات لاحقة. 

أخيرا، يمثل السودان اليوم نموذجاً للتشابك بين الأزمات المحلية والديناميكيات الإقليمية والدولية. ورغم الوضع المأساوي، يبقى الأمل قائماً في أن تفضي الجهود الحالية إلى تحقيق تسوية شاملة تعيد للسودان مكانته كدولة مستقرة وقادرة على تحقيق تطلعات شعبها.