رحلة عائلة صالح: بين الحرب والأمل في وطنٍ ممزق

رحلة عائلة صالح: بين الحرب والأمل في وطنٍ ممزق
المحلل السياسي السوداني محمد ضياء الدين

بقلم: محمد ضياء الدين 

في صباحٍ من أيام رمضان، استيقظت مدينة الخرطوم على صوت انفجاراتٍ مدمرة، معلنةً بداية حربٍ لا ترحم. الخرطوم، المدينة التي كانت شاهدةً على حياة الأجيال، تحولت إلى ساحة معركة، تبتلع أحلام سكانها دون شفقة. كان صالح، الرجل الذي عرف هدوء المدينة وصخبها، يعيش مع زوجته سمية وطفليه حياة بسيطة. ولكن، كغيرهم من العائلات، وجدوا أنفسهم محاصرين بين نيران الحرب والخوف المتصاعد من مصير مجهول.

مع تزايد العنف، اتخذ صالح قراره بالرحيل. حمل عائلته واندفع نحو الجزيرة مدني، تلك المدينة التي كانت تبعد عن ألسنة الحرب وتعدهم بملاذٍ آمن. كان الطريق إلى مدني طويلاً وشاقاً، كل خطوة فيه كانت تبعدهم عن ديارهم، لكنها تقربهم من الأمل في النجاة.

عند وصولهم إلى مدني، شعروا ببعض الطمأنينة، لكنها كانت مؤقتة. سرعان ما امتدت نيران الحرب إلى الجزيرة، وأصبح الملجأ ضيقًا والمخاوف أكبر. لم يكن هناك خيار آخر، فحمل صالح عائلته مرة أخرى، متجهين نحو الشمال، حيث كانت المناطق أكثر أمانًا. الأمل كان أن يجدوا هناك سلامًا لم يجدوه في مكان آخر.

في الشمال، استقبلهم مركز للنزوح، ملاذًا للمئات من القصص المؤلمة. في هذا المكان، كانت الحياة تعِدهم بغدٍ أفضل، ولكن الأمطار الغزيرة والسيول لم تكن على دراية بهذه الوعود. في ليلة مظلمة، اندفعت السيول كوحش هائج، لتجتاح خيمتهم وتغمر كل شيء. صرخات الأطفال تلاشت تحت الماء، وكل أمل تبخر مع كل قطرة.

سمية، التي كانت تملأها الحياة، وجدت نفسها تكفن أطفالها بيديها المرتعشتين، بينما وقف صالح عاجزًا، يبكيهم بلا دموع. السماء أمطرت دمارًا، والأرض أنَّت تحت وطأة جراح لا تندمل.

في اليوم التالي، جمع صالح وسمية ما تبقى من حياتهم، ورحلوا نحو المجهول. خلفهم، عاد المركز إلى صمته الكئيب، والذكريات المؤلمة تبقى شاهدة على ماضٍ لن يُنسى. لم تعد الأرض تنبت إلا الحزن، ولا مكان للأحلام في وطنٍ مزقته الحروب. 

وهكذا، انتهت رحلة عائلة صالح في بحثهم عن الأمان، الذي بقي سرابًا بعيد المنال، وتحولت قصتهم إلى جزءٍ من حكايات شعب عاش بين الحرب والأمل، ومات في صمت.