الإدارة الفعالة للتنوع: طريق السودان نحو التماسك الاجتماعي ودروس مستفادة من تجارب عالمية

الإدارة الفعالة للتنوع: طريق السودان نحو التماسك الاجتماعي ودروس مستفادة من تجارب عالمية
التنوع في السودان - وادي النيل

بقلم : الدكتور كمال دفع الله بخيت 

مع تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في السودان، بات من الواضح أن غياب سياسات فعالة لإدارة التنوع يُسهم بشكل مباشر في تفاقم النزاعات والانقسامات داخل البلاد. ويظهر ذلك جليًا في تنامي خطاب الكراهية الذي يعمق الفجوة بين المكونات الاجتماعية المختلفة. إن هذه الأزمات المتجددة في السودان هي نتيجة تراكمات من الإخفاقات المتعاقبة في إدارة التنوع، ما أفضى إلى ترسيخ اللا مساواة، والظلم، وبالتالي، تصاعد حدة العنف.

وقد تم عرض هذه الورقة مؤخرًا ضمن منتدى عن إدارة التنوع والأزمات في إفريقيا، الذي انعقد في سيئول على هامش القمة الرئاسية الكورية - الإفريقية الأولى في يونيو 2024، حيث هدفت إلى استكشاف نماذج عالمية ناجحة في إدارة التنوع، وكيفية استلهامها لبناء وحدة وطنية مستدامة في السودان.

أولًا: ما هي إدارة التنوع؟

تعني إدارة التنوع تصميم وتنفيذ سياسات تضمن معاملة الجماعات المختلفة في المجتمع بإنصاف واحترام، سواء كانت اختلافات عرقية، دينية، أو اجتماعية. وتقوم هذه الإدارة على تعزيز الشمولية وتخفيف التمييز، مع تشجيع مشاركة جميع المواطنين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل عادل.

ثانيًا: أمثلة عالمية في إدارة التنوع

1. كندا: نموذج التعددية الثقافية الشاملة

تُعَد كندا مثالًا بارزًا لإدارة التنوع، حيث يُعزز قانون التعددية الثقافية لعام 1988 احترام وتقدير التنوع الثقافي في البلاد. وتسمح سياسات الهجرة الكندية المتبصرة باندماج المجتمعات المتنوعة في النسيج الاجتماعي، ما أسهم في تقليل التوترات العرقية وزيادة التماسك.

2. جنوب أفريقيا: لجنة الحقيقة والمصالحة

بعد سقوط نظام الفصل العنصري، واجهت جنوب أفريقيا تحديًا كبيرًا في إعادة بناء مجتمع موحد. وقد ساعدت لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC) في معالجة آثار الظلم من خلال توفير منصة للضحايا والمذنبين لمشاركة تجاربهم، مما أفضى إلى بناء مجتمع مبني على الاحترام المتبادل والهوية الوطنية المشتركة.

3. سنغافورة: التكامل العرقي عبر سياسات الإسكان

تبنت سنغافورة نهجًا فريدًا في إدارة التنوع من خلال سياساتها السكنية، حيث تُلزم بوجود خليط من المجموعات العرقية في كل حي سكني. أدى هذا التكامل إلى تعزيز التفاعل اليومي بين المواطنين، مما ساهم في كسر الصور النمطية وبناء مجتمع أكثر تفهمًا واستقرارًا.

4. رواندا: من الإبادة الجماعية إلى الوحدة الوطنية

شهدت رواندا تحولًا ملحوظًا بعد الإبادة الجماعية المدمرة عام 1994، حيث تبنت الحكومة مسارًا للتركيز على الهوية الوطنية بدلاً من الهويات العرقية، من خلال لجنة الوحدة والمصالحة الوطنية. وقد شجعت هذه المبادرة على حوار وطني لتعزيز الوحدة والتفاهم.

ثالثًا: دروس مستفادة للسودان

في ظل التحولات الجارية، يمكن للسودان أن يستفيد من هذه التجارب الناجحة لإدارة التنوع، من خلال:

1. الأطر القانونية لتعزيز التعددية الثقافية

على السودان أن يسعى لتأسيس إطار قانوني يعترف بالتنوع الثقافي ويحميه، على غرار قانون التعددية الثقافية الكندي، مما يسهم في بناء قاعدة قانونية تدعم المساواة والشمولية.

2. إطلاق حوار وطني لمعالجة المظالم

تستطيع السودان استلهام تجربة جنوب أفريقيا بإنشاء منصة للحوار والمصالحة، تعزز الفهم المتبادل وتتيح المجال لتجاوز النزاعات التاريخية.

3. سياسات لتعزيز الاختلاط الاجتماعي

يمكن للسودان أن يتبنى سياسات مشابهة لسنغافورة في تعزيز التفاعل بين المجموعات المختلفة من خلال مشاريع سكنية وبرامج تعليمية تشجع على التفاهم المتبادل.

4. حملات وطنية لترسيخ الهوية السودانية المشتركة

سيكون من الأهمية بمكان تعزيز هوية سودانية جامعة بين مختلف المجموعات، من خلال إطلاق حملات وطنية تُبرز التنوع كثروة يجب الاحتفاء بها.

رابعًا: خاتمة

يُعد الاعتراف بالتنوع واحترامه فرصة لنمو السودان بدلًا من كونه تحديًا. إن التوجه نحو إدارة التنوع بشكل فعال ومستند إلى قصص النجاح العالمية، يُعتبر خطوة ضرورية لمواجهة خطاب الكراهية والتحزب القبلي. وبتبني هذه الاستراتيجيات، يمكن للسودان بناء مستقبل مستقر ومسالم ينعم فيه الجميع بفرص متساوية، مما يفتح المجال لعصر جديد من التنمية المستدامة والوحدة الوطنية.