نذر الحرب الأهلية ومخاطر عودة الصراع التأريخي بين أولاد الغرب و أولاد البحر

نذر الحرب الأهلية ومخاطر عودة الصراع التأريخي بين أولاد الغرب و أولاد البحر
محمد ضياء الدين المحلل السياسي السوداني - وادي النيل

بقلم: محمد ضياء الدين

تواجه البلاد اليوم تهديداً متجدداً بعودة الصراع التأريخي بين ما يُعرف بـ "أولاد الغرب" و"أولاد البحر"، الذي ظهرت بوادره خلال حقبة الثورة المهدية. بدأت هذه التوترات المكبوتة منذ عقود تظهر مجدداً على الساحة السياسية والعسكرية نتيجة اندلاع الحرب وتمددها، وما صاحبها من انتهاكات زادت من تعقيد الأوضاع. تتسع اليوم دائرة التحالفات والتنافس بين الأطراف المتنازعة على استقطاب وتجييش القبائل من خلال ما يُعرف بـ"الحواضن الاجتماعية"، مما يهدد بإشعال الصراع على أسس عرقية وجهوية.

الجذور التأريخية للصراع

تأريخياً، شهدت دارفور نزاعات طويلة الأمد بين العرب وغير العرب، ساهمت في ظهور الحركات المسلحة بالإقليم. لكن الملفت في الوضع الحالي هو التحولات المعقدة؛ فبعض الحركات التي كانت تقاتل الجيش في الماضي، أصبحت الآن تقف بجانبه ضد قوات الدعم السريع. هذه التغيرات تعكس توازنات قبلية واجتماعية معقدة تؤثر على ديناميكية الصراع في البلاد، لا سيما في دارفور. تعتمد قوات الدعم السريع بشكل كبير على الحواضن الاجتماعية من غرب السودان، في حين أن الحركات المسلحة غير العربية تجد نفسها في مواجهة هذه القوى.

أبعاد متعددة للصراع

يتجاوز الصراع الحالي كونه نزاعاً عرقياً وعنصرياً بحتاً. فهو يحمل في طياته أبعاداً سياسية، اجتماعية، واقتصادية معقدة. من الضروري عدم اختزال الصراع في إطار عنصري فقط، بل التعمق في فهم السياقات التأريخية والاقتصادية التي تغذي الصراع. كما يجب تسليط الضوء على دور النظام السابق في استغلال هذه التوترات لتعزيز نفوذه السياسي والأمني، ما أدى إلى تفاقم الوضع الحالي.

دور الإعلام والخطاب العنصري

تصاعد الخطاب العنصري والجهوي في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أدى إلى تأجيج الصراع. هذا الخطاب لم يعد مجرد كلمات، بل تحول إلى أفعال ملموسة تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي. ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر مشاهد وتحريضات مباشرة أسهمت في حدوث أعمال عنف في عدة مناطق، مما يوجب تحركاً عاجلاً من القوى المدنية والسياسية لإحتواء هذه التوترات.

المطلوبات العاجلة للحل

للخروج من هذه الأزمة المعقدة، هناك حاجة ماسة إلى تشكيل منصة وطنية شاملة تضم كافة المكونات الاجتماعية والسياسية. تشمل الحلول الممكنة:

1. حوار وطني شامل: لمعالجة التوترات التأريخية وإرساء العدالة الاجتماعية، مع إشراك القبائل والمجتمعات المحلية لضمان تمثيل شامل.

2. حملات توعوية مكثفة: لمكافحة الخطاب العنصري وتعزيز مفهوم المواطنة المتساوية.

3. مشاركة مجتمعية واسعة: إشراك جميع المكونات الاجتماعية في صنع القرار والمصالحة لضمان تمثيل الجميع.

4. تنمية متوازنة: وضع أسس لتحقيق تنمية متوازنة تضمن الاستقرار الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد.

5. توثيق التاريخ: تنظيم ندوات ومؤتمرات لتوثيق تاريخ السودان وتعزيز الفهم المشترك بين مكوناته.

الخاتمة

تجاهل هذه الأزمات والتركيز على الحرب فقط يزيد من تعقيد الأوضاع. حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية ومنع تفاقم النزاعات المحلية هي أولويات يجب أن تحظى بالاهتمام الآن، لأن تجاهل هذه الأولويات سيؤدي إلى تعقيد الأمور بشكل يصعب حله حتى بعد انتهاء الحرب. الحل يكمن في تكاتف الجهود والعمل المشترك لتحقيق السلام المستدام، لضمان مستقبل أكثر استقراراً وعدالة للسودان.