زيارة ماكرون إلى إفريقيا.. قراءة تحليلية في استراتيجية فرنسا المتجددة

زيارة ماكرون إلى إفريقيا..  قراءة تحليلية في استراتيجية فرنسا المتجددة
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجيبوتي- وادي النيل

بقلم: الدكتور كمال دفع الله بخيت 

وسط التحديات المتزايدة التي تواجهها فرنسا في القارة الإفريقية، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة شملت جيبوتي وإثيوبيا وجزيرة مايوت. تأتي هذه الجولة في سياق انسحاب تدريجي للقوات الفرنسية من دول إفريقية رئيسية مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مما يسلط الضوء على التحولات العميقة في علاقات فرنسا مع القارة.

أهداف الزيارة ودلالاتها

1. تعزيز الحضور العسكري الفرنسي في القرن الإفريقي

مع تقلص القواعد العسكرية الفرنسية في إفريقيا، تُعد جيبوتي، التي تستضيف نحو 1,500 جندي فرنسي، إحدى آخر النقاط المحورية للنفوذ العسكري الفرنسي في القارة. تكتسب القاعدة في جيبوتي أهمية استراتيجية بفضل موقعها الجغرافي بين البحر الأحمر وخليج عدن، وهو شريان حيوي للتجارة الدولية. زيارة ماكرون لهذه القاعدة تُظهر التزام فرنسا بالحفاظ على وجودها العسكري في منطقة القرن الإفريقي، رغم التحديات السياسية التي تواجهها في أماكن أخرى.

2. تجديد التعاون الدفاعي مع جيبوتي

توقيع معاهدة دفاعية جديدة مع جيبوتي يعكس رغبة باريس في تأمين تحالفاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة. في ظل تصاعد الدعوات المناهضة للتدخل الفرنسي في دول مثل تشاد والسنغال، تُظهر فرنسا قدرتها على الاحتفاظ بشراكات قوية مع بعض الدول الإفريقية لتعزيز مصالحها الأمنية.

3. تعميق الشراكة مع إثيوبيا

زيارة ماكرون إلى إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، تؤكد سعي فرنسا لتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية في القارة. تمثل إثيوبيا مركزًا استراتيجيًا في منطقة شرق إفريقيا، مما يجعلها شريكًا محوريًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

4. التوازن بين السياسة الخارجية والأزمات الداخلية

اختتم ماكرون جولته بزيارة جزيرة مايوت التي تعرضت مؤخرًا لإعصار مدمر. هذه الخطوة تعكس حرص الرئيس الفرنسي على مواجهة التحديات الإنسانية والطبيعية، وتؤكد ارتباط السياسة الخارجية الفرنسية بمصالحها الداخلية.

الانسحاب العسكري: تحدٍ لفرنسا في إفريقيا

شهدت السنوات الأخيرة انسحابًا متتابعًا للقوات الفرنسية من دول الساحل الإفريقي، نتيجة لتغير المزاج السياسي والشعبي في القارة. أصبح الوجود العسكري الفرنسي غير مرحب به في بعض الدول، مما أجبر باريس على إعادة تقييم استراتيجيتها الأمنية. في هذا السياق، تأتي زيارة ماكرون كمحاولة لتعزيز الوجود الفرنسي في المناطق التي لا تزال تحتفظ بشراكات قوية معها.

إعادة صياغة الدور الفرنسي في إفريقيا

تمثل زيارة ماكرون خطوة رمزية واستراتيجية لإعادة تعريف دور فرنسا في إفريقيا. لم يعد هذا الدور مقتصرًا على التدخل العسكري، بل يتضمن تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي مع دول القارة.

من خلال هذه الجولة، تسعى باريس إلى تغيير صورتها النمطية المرتبطة بالإرث الاستعماري، والانتقال نحو شراكة أكثر تكافؤًا مع الدول الإفريقية.

ختامًا

زيارة ماكرون إلى إفريقيا تأتي في لحظة حساسة تُبرز التحديات التي تواجه السياسة الفرنسية في القارة. ورغم أن هذه الجولة تسعى لتعزيز الشراكات الاستراتيجية، إلا أن نجاح فرنسا في الحفاظ على نفوذها يتطلب تجاوز التحديات السياسية الراهنة، والعمل على بناء علاقات قائمة على المصالح المشتركة بعيدًا عن النهج التقليدي.