عثرات على طريق كامل إدريس: قراءة تحليلية في التحديات السياسية الراهنة في السودان

عثرات على طريق كامل إدريس: قراءة تحليلية في التحديات السياسية الراهنة في السودان
كامل إدريس رئيس الوزراء السوداني الجديد - وادي النيل

بقلم: أشرف أبو سمرة

منذ الإعلان عن تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء في السودان، انقسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض، في مشهد يعكس عمق الأزمة السياسية وتعقيدات المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد. فبينما يرى البعض أن التعيين قد يمثل مخرجًا سياسيًا مؤقتًا من دوامة الفوضى، يرى آخرون أن هذا القرار ليس إلا امتدادًا لمسار لم يحظَ بالإجماع الشعبي أو الثقة السياسية الكافية.

لكن الحقيقة الأبرز تظل أن الدكتور إدريس، بخلفيته الأكاديمية والقانونية الدولية، يقف اليوم أمام طريق معقد ومليء بالعثرات التي تتطلب إرادة وطنية، ونضجًا سياسيًا، ورؤية بعيدة المدى.

العثرة الأولى: غياب السند الجماهيري الكامل

من أهم الإشكاليات التي تواجه د. إدريس هي ضعف التأييد السياسي والشعبي، في ظل حكومة يطعن كثيرون في شرعيتها، والتي يرى قطاع واسع من السودانيين أنها أحد أسباب تعميق الحرب القائمة. كما أن هذا التعيين يأتي في ظل استمرار النزاع على السلطة واحتدام المعارك التي تهدد وجود الدولة السودانية، مما يضع الحكومة الحالية في موقف هش داخليًا وخارجيًا.

العثرة الثانية: بيئة ما بعد الحرب وغياب الثقة

الحرب الدائرة خلّفت دمارًا هائلًا للبنية التحتية، وألحقت أذى بالغًا بالنسيج الاجتماعي والوجدان الجمعي للشعب السوداني. أصبحت مفردات التنمية والبناء مشبوهة في نظر الشارع، وتُربط بالسلطة والمصالح الذاتية أكثر من كونها تعبيرًا عن رؤية وطنية. هذا الإحباط العميق جعل من أي محاولة إصلاحية تبدو وكأنها محاولة للبحث عن مكاسب، لا مشروع إنقاذ حقيقي.

العثرة الثالثة: تخلف بنيوي في مؤسسات الحكم

الخلل المؤسسي في السودان متجذر، بدءًا من ضعف مؤسسات الدولة، مرورًا بانهيار الثقة في الأحزاب السياسية، ووصولًا إلى غياب مشروع وطني جامع. هذا الوضع يخلق فراغًا سياسيًا تستغله قوى المصالح والنزاعات، ويعمّق الأزمة بدلًا من حلها. وفي مثل هذا الواقع، يكون الحاكم إما رمزًا مقدسًا مهابًا أو ضائعًا في دروب السلطة، كما يقول المثل الشعبي: "البلد يا يحكمها نبي أو غبي".

العثرة الرابعة: الميراث السياسي المثقل بالجرائم والمظالم

الفساد السياسي وتراكم المظالم التاريخية خلّفا شعورًا عامًّا بعدم الثقة في أي مبادرة، مهما كانت نواياها حسنة. السودانيون يحملون ذاكرة جراحية ممتدة، والحديث عن المصالحة أو طي صفحة الماضي دون معالجة حقيقية وعادلة لن يقنع الشارع. فهناك حاجة إلى عدالة انتقالية شاملة، تعيد صياغة العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أساس الشفافية والمحاسبة، لا الانتقام أو الإقصاء.

العثرة الخامسة: ضعف موقف السودان دوليًا

في ظل دمار البنية التحتية وهشاشة التماسك الداخلي، باتت الدولة السودانية في موقف تفاوضي ضعيف أمام المجتمع الدولي. وهذا ما يضعها في خانة الدول "المنكشفة" التي لا تملك هامشًا واسعًا للمناورة السياسية، بل تضطر في كثير من الأحيان إلى "قبول الأغنية التي يختارها من يدفع الأجر"، كما يقال. وبوجود صراع إقليمي محتدم، بات السودان ساحة لتقاطع المصالح الدولية التي لا تعبأ كثيرًا بمصلحة المواطن البسيط.

العثرة السادسة: الحسد والمزاجية كمعيقات مجتمعية

ليست كل العثرات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية، فهناك ما هو أعمق وأكثر تجذرًا في الثقافة والسلوك الجمعي. الحسد والمزاجية والدوران حول الذات صفات يصفها البعض بأنها "أمراض وطنية" تعطل التوافق، وتقوّض أي مشروع جماعي. وهي صفات تطال المتعلم وغير المتعلم، السياسي والمواطن العادي، وتشكل مانعًا خفيًا لكنه قوي أمام أي تغيير حقيقي.

خاتمة: بين السوداوية والرهان الوطني

رغم هذه العثرات التي تُرسم منها صورة قاتمة للمشهد، يظل الأمل معقودًا على ولادة مشروع وطني حقيقي لا يعتمد على الشعارات، بل على رؤية علمية ومستنيرة. مشروع يتجاوز الأفراد والولاءات الضيقة، ويتحول إلى منصة جامعة يتوحد حولها السودانيون بمختلف انتماءاتهم.

فلا خلاص من دوامة الصراع إلا بتحويل معركة السلطة إلى تنافس شريف في خدمة الوطن، لا في اقتسامه. ولن يتحقق النصر إلا إذا انتصر الوطن أولًا، لأن فوز أي طرف بمعزل عن هذا الانتصار، هو في الحقيقة خسارة للجميع... لو يعلمون.