وثيقة العدالة والعدالة الانتقالية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم): نظرة نقدية وتحليلية
بقلم المستشار خالد رحمة الله
في إطار استعراضنا لوثيقة العدالة والعدالة الانتقالية الصادرة عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، نسلط الضوء على الجوانب المختلفة للوثيقة ونسلط النقد على بنودها كما وردت في تفاصيلها. وكما قال وينستون تشرشل: "النقد قد لا يكون محبباً لكنه ضروري، يقوم بنفس وظيفة الألم في جسم الإنسان، وينبهنا إلى أمر غير صحي."
في مجال التشريعات:
جاء هذا الفصل مشتملاً على خمس نقاط رئيسية تتعلق بالتشريعات، أبرزها:
1. اعتماد دستور يحمي الحقوق الأساسية ويعزز العدالة الانتقالية: يشير النص إلى أهمية أن يتضمن الدستور مبادئ العدالة الانتقالية، إلا أنه من المعروف أن الدستور يحدد المبادئ العامة بينما تُنظم العدالة الانتقالية عبر قوانين محددة وأجهزة عدلية، وليس من خلال الدستور نفسه.
2. مراجعة قانون مفوضية العدالة الانتقالية لعام 2021: يُطالب النص بمراجعة هذا القانون وفق مبادئ العدالة الانتقالية. ولكن يُلاحظ على هذه النقطة الهشاشة والعمومية، حيث لم تُوضح الآليات المستمدة من الأعراف السودانية والشروط الصارمة لتطبيقها، كما أغفلت التطرق إلى موقف (تقدم) من الاتفاقيات والقوانين الدولية المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية ومدى توافقها مع الأعراف المحلية.
3. معالجة القوانين ذات الصلة بالعدالة الانتقالية: جاء هذا البند مليئًا بالعبارات الإنشائية دون تحديد القوانين المعنية، مما يجعله مجرد تصريح بلا مضمون واضح.
في مجال الإصلاح المؤسسي:
تضمن هذا الفصل عدة بنود، من بينها إصلاح المنظومة العدلية والحقوقية، وإصلاح المؤسسات التربوية والتعليمية، وبناء المؤسسات الأمنية على أسس احترام حقوق الإنسان. لكن يبقى السؤال المهم: كيف يمكن تحقيق هذه الإصلاحات؟ فإعادة بناء المنظومة العدلية تحتاج إلى جهود كبيرة وشاملة، وليس فقط إصلاحًا سطحيًا.
في مجال المساءلة والمحاسبة:
تدعو الوثيقة إلى تقديم مرتكبي الانتهاكات وجرائم الحرب للعدالة، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتشكيل لجان مستقلة لتقصي الحقائق. ومع ذلك، تعاني الوثيقة من خلل واضح في الترقيم والضبط، حيث تتحدث عن خمسة بنود بينما هي في الواقع أربعة فقط. كما أن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية يمكن تجاوزه بتعزيز النظام القضائي الداخلي وفق القوانين الدولية المصادق عليها.
في مجال جبر الضرر والتعويضات:
تنص الوثيقة على إنشاء صندوق لتعويض الضحايا، ولكن هذا الأمر من صميم مهام مفوضية العدالة الانتقالية التي ينظمها القانون، مما يجعل هذا الفصل مجرد تكرار غير ضروري لمهام الجهات المعنية. كما تعول (تقدم) بشكل كبير على العون الدولي، وهو أمر لا يمكن الاعتماد عليه خاصة في ظل الظروف الحالية.
في مجال الآليات الأخرى:
تشير الوثيقة إلى تفعيل المصالحات التقليدية ووضع قانون يجعل قراراتها ملزمة، وتشكيل آلية قومية للحقيقة والمصالحة. إلا أن المصالحات التقليدية تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، خاصة في الجرائم ضد الإنسانية، مما يجعل هذه المقترحات غير عملية في ظل الالتزامات الدولية.
في مجال المشاركة في آليات وهياكل العدالة الانتقالية:
تناولت الوثيقة مشاركة المرأة والشباب والضحايا في هياكل العدالة الانتقالية، لكن النصوص جاءت حافلة بالتكرار والحشو، مع غياب مقترحات واضحة لكيفية تحقيق هذه المشاركة.
في مجال التوعية وتعزيز العدالة الانتقالية:
دعت الوثيقة إلى إقامة منابر للتوعية وإنشاء منصات على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بالعدالة الانتقالية. ومع ذلك، تجاهلت الوثيقة الظروف الأساسية المطلوبة لتنفيذ هذه الآليات، مثل توفير خدمات الاتصالات والكهرباء في كافة أنحاء البلاد.
في مجال التعاون الإقليمي والدولي:
يتمثل التعاون الدولي في الاستفادة من خبرات المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بالعدالة الانتقالية، ولكن مع التركيز على ضرورة تعزيز القدرات المحلية وتجنب الاعتماد الكلي على العون الدولي.
الخلاصة:
تكشف الوثيقة عن مجموعة من الأهداف الطموحة، لكنها تفتقر إلى الدقة والوضوح في تحديد الآليات الفعلية لتنفيذ هذه الأهداف. كما يظهر الاعتماد الزائد على الحلول الدولية بدلاً من تعزيز الموارد والقدرات الوطنية، مما يعكس الحاجة إلى مراجعة شاملة للوثيقة وإعادة صياغتها بشكل يضمن تلبية احتياجات البلاد بطريقة مستدامة وواقعية.