استبدال العملة في السودان... بين السياسة والواقع الاقتصادي

بقلم: الدكتور معتصم الزاكي دونتاي
يعد النقود وسيلة أساسية لتبادل المنافع، مقياسًا للقيمة ومخزنًا لها، وتكتسب قيمتها من قبول الجمهور بها كعملة قانونية تتمتع بالثقة التي تمنحها الدولة. إلا أن هذه الثقة قد تتراجع إذا شعر الناس أن العملة غير قانونية أو مزورة، مما يؤدي إلى فقدان قيمتها. كما قد تتأثر العملة بتراجع اقتصادي أو تضخم جامح، مما يدفع الجمهور للبحث عن بدائل مؤقتة أكثر استقرارًا مثل الدولار أو شراء الأصول الثابتة والمنقولة. وهذا ما حدث في السودان في السنوات الأخيرة من حكم الإنقاذ، خاصة في عامي 2017 و2018، حيث تراجعت الثقة في العملة السودانية قبل أن تعود تدريجيًا.
المصارف تلعب دورًا حيويًا في ضبط السياسات النقدية، وتنظيم حركة الأموال، وتخزينها للحفاظ على ممتلكات الأفراد، ودعم الاستثمار. ومع ذلك، فإن قرار مليشيات الدعم السريع بعدم الاعتراف بالعملة الجديدة أو خلق عملة بديلة يبدو قرارًا سياسيًا غير واقعي، ومبنيًا على انفعالات آنية، ولن يجد أي دعم من الجمهور في المناطق التي يسيطر عليها.
لا يوجد في تلك المناطق مصارف آمنة تسهم في تنظيم تداول العملات، مما يجعل من غير الممكن لأي مواطن أن يغامر بممتلكاته الشخصية في التعامل بعملات غير قانونية أو غير مضمونة. حتى في حال محاولة فرض العملة بالقوة، فإن ذلك لن يحقق استقرارًا اقتصاديًا أو حقوقًا للمواطنين.
وفيما يتعلق بإدخال عملة الدولار، فإن هذا الأمر غير عملي نظرًا لأن معظم الشرائح الاجتماعية ضعيفة اقتصاديًا، ولا تستطيع استخدام الدولار كبديل، باستثناء فئة محدودة من الأشخاص. أما إذا حاولت مليشيات الدعم السريع إدخال عملات من الدول المجاورة، فإن هذه الدول لن تسمح بذلك لأنها قد تفتح الباب للتزوير وإضعاف اقتصاداتها، خاصة في ظل حالة الانفلات الأمني السائدة.
بالرغم من الخسائر التي قد يتكبدها الدعم السريع نتيجة لنهب الأموال من المواطنين والبنوك، إلا أنه من الأهمية بمكان السماح بتداول العملة الجديدة في المناطق التي يسيطر عليها. إن رفض ذلك سيؤدي إلى إحداث فوضى، حيث قد يلجأ المواطنون لبيع العملات القديمة مقابل الجديدة بأسعار مخفضة، أو حتى تهريب الأموال إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
إن السماح بتداول العملة الجديدة في مناطق سيطرة الدعم السريع يُعتبر خطوة مهمة للمواطنين، ويسهم في الحفاظ على الوحدة الوطنية ويعزز من فرص السلام وحل النزاع في المستقبل.