كمال بخيت يكتب.. حروب اليوم آثارها الانسانية و ضرورة حماية المدنيين

كمال بخيت يكتب.. حروب اليوم آثارها الانسانية و ضرورة حماية المدنيين
الحروب

بقلم: الدكتور كمال دفع الله بخيت المختص فى الشؤن السياسية والعلاقات الدولية

 

في مثل هذا اليوم من يوليو 1950 ، أي بعد شهر من بداية الحرب الكورية، وقعت مأساة في قرية (نوغون ري) وسط كوريا الجنوبية، حيث قتلت القوات الأمريكية ) التى جاءت لتساند كوريا الجنوبية ضد مد التحالف الشيوعي الكوري الشمالي - الصيني – السوفيتي ( عمدا حوالي 300 نازح كوري جنوبي نزحو من مناطقهم التي احتلها الشماليون ومن يساندهم داخل كوريا الجنوبية الى مناطق اخرى في البلاد ، وهم مدنيون بريئون خلال الأسابيع الأولى من النزاع. هذه الحادثة تبرز سوء الحظ الذي يلازم المدنيين عادة في الحروب، حيث يتعرضون للأذى والموت بشكل غير مبرر وبلا رحمة من قبل الأطراف المتحاربة.

مثل هذه الأحداث تسلط الضوء على عدم اهتمام الأطراف القتالية بحقوق المدنيين وسلامتهم سابقا أو حاليا، وتذكرنا بمدى تأثير الحروب على الأبرياء الذين يفقدون حياتهم بلا ذنب وهو ما نشاهده حاليا في السودان أيضا، حيث نشهد مع كل الحروب الداخلية بما فيها الحرب الدائرة حاليا منذ 15 أبريل 2023، مأساة مماثلة حيث تعرض المدنيون للقتل والنزوح والاغتصاب والنهب والاذلال والاعتقال وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل كبير، دون أن تلقى قضاياهم الاهتمام الكافي أو الحماية اللازمة من الطرفين المتقاتلين او المنظمات المدنية أو الحقوقية المحلية أو الاقليمية بل ولا حتى الدولية..

هذه الأحداث تجسد النقمة التي تطال الأبرياء في ظل النزاعات المسلحة، وتدفعنا إلى التفكير في ضرورة تصعيد المطالبة بحماية حقوق الإنسان والسلامة الشخصية للمدنيين في كل الأوقات وفي كل الأماكن.

وكما أشرنا يمكن أن تتسبب الحروب والنزاعات المسلحة في مأساة إنسانية هائلة للمدنيين، وهذا يشير إلى الضرورة الملحة لوجود وتفعيل قوانين دولية تحمي حقوقهم وتقيدهم. وكما هو معروف ان القوانين الدولية خلال النزاعات والتي تتعلق بحماية المدنيين تشمل عدة مبادئ واتفاقيات تهدف إلى تقليل الأذى الذي يتعرضون له وضمان حمايتهم.

أحد أبرز الوثائق الدولية في هذا السياق هو القانون الدولي الإنساني، الذي ينص على أنه يجب حماية المدنيين غير المشاركين في النزاعات المسلحة وضمان عدم تعرضهم للأذى الفعلي أو التهديد به. ويتطلب القانون الدولي الإنساني أيضا من الأطراف المتحاربة احترام وحماية المدنيين، وعدم استخدامهم كدروع بشرية أو كهدف للهجمات.

~لكنه وعلى الرغم من وجود هذه القوانين، إلا أن التطبيق الفعال لها يواجه تحديات كبيرة، حيث لا تلتزم جميع المسلحة حول في السودان و العالم. الأطراف المتقاتلة بهذه الالتزامات بشكل كامل، مما يؤدي إلى استمرار انتهاكات حقوق المدنيين في النزاعات.

علاوة على ذلك، هناك مبادئ وأسس أخرى من القوانين الدولية تتعلق بحقوق الإنسان تهدف إلى حماية المدنيين، مثل اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 والبروتوكولات الإضافية لعام 1977، التي تنص على حماية المدنيين والمستشفيات والعمال الإنسانيين أثناء النزاعات المسلحة.

ومع وجود هذه الإطارات القانونية الدولية رفيعة المستوى، تظل حماية المدنيين تحدياً دائماً، خاصة في ظل النزاعات المعقدة والحروب الأهلية التي تشهدها بعض الدول بما فيها بلادنا. وتشكل هذه القضايا جزءاً أساسياً من النقاشات الدولية حول حقوق الإنسان، وتستدعي تعزيز التزام الأطراف المتقاتلة بالقوانين الإنسانية الدولية لتوفير الحماية الأمثل للمدنيين في زمن الحرب.

وفي الحرب الحالية في السودان، تلعب الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية ووسائل الإعلام التي تحافظ على مواقف محايدة تجاه الأطراف المتقاتلة دورًا حيويًا في حماية حقوق المدنيين وتسليط الضوء على انتهاكاتها.

ويمكننا ان نتناول باختصار دور كل منها:

1. الأحزاب السياسية : تلعب الأحزاب السياسية دورًا هامًا في مراقبة الأوضاع الإنسانية ونقل التقارير والشكاوى إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. وان تعمل هذه الأحزاب على زيادة الوعي وضغط الحكومة والأطراف المتقاتلة للالتزام بالقوانين الدولية الإنسانية وحماية المدنيين.

2. المنظمات المدنية : تشمل هذه المنظمات العديد من الجمعيات الإنسانية وحقوق الإنسان والمجموعات الدفاعية عن حقوق المدنيين. ويجب على هذه المنظمات ان تقدم المساعدات الإنسانية، وترصد انتهاكات حقوق الإنسان، وتقدم التوعية للسكان المحليين حول حقوقهم في حالات النزاعات المسلحة. 3 وسائل الإعلام غير المنتمية للأطراف المتقاتلة : يجب أن تلعب وسائل الإعلام المستقلة دورًا حيويًا في إلقاء الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. من خلال تغطيتها الشاملة والمحايدة، تعزز وسائل الإعلام الضغط الدولي للتدخل لحماية المدنيين والضغط على الأطراف المتحاربة للامتثال للقوانين الدولية.

تعتبر هذه الجهود المشتركة بين الأحزاب السياسية المستقلة، والمنظمات المدنية ، ووسائل الإعلام غير المنتمية للأطراف المتقاتلة أساسية للمساعدة في حماية المدنيين وتقديم المساعدة الإنسانية في ظل الظروف القاسية

التي يواجهها السكان المحليون في السودان خلال النزاعات الحالية~.