فراس ياغي يكتب: خطة المقاومة اللبنانية في غزة القول الفصل
كتب: فراس ياغي
يتفاخر وزير الأمن الإسرائيلي بتصريحه "تم تدمير ما بناه حزب الله في عشرين سنة"، وتتساوق معه وسائل الإعلام التي تنقل تصريحات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي حول "تدمير 50% من صواريخ حزب الله"، ولاحقًا يشيرون إلى أنها "50% من الصواريخ قصيرة المدى". ثم يأتي رئيس الأركان ليقول "ممنوع إعطاء حزب الله استراحة، علينا مواصلة العمل بكل قوة"، ويضيف: "سوف نسرع عملياتنا الهجومية اليوم ونعزز كل المنظومات".
من الواضح أن إسرائيل تعمل وفق اتجاهين؛ الأول وهو الأهم، يتمثل في العمل على تقويض قدرات حزب الله الداخلية بقدر الإمكان، وهو ما يعكسه كلام رئيس الأركان هيرتسي هاليفي عن "عدم إعطاء استراحة وتسريع العمليات". يشير ذلك إلى استغلال بنك الأهداف الذي جُمِع خلال عقد من المتابعة الاستخبارية والتكنولوجية، ويظهر ذلك في مجزرة مركز الاتصالات واللاسلكي واغتيال القائد التاريخي في الحزب، الحاج إبراهيم عقيل، ورفاقه من القيادات الذين استشهدوا في قصف الضاحية قبل أيام. خلال اليومين الماضيين، شنّت إسرائيل أكثر من ألفي غارة على الجنوب والبقاع، بالإضافة إلى غارات استهدفت الضاحية الجنوبية للاغتيال. الاتجاه الثاني يتمثل في الضغط على المدنيين كما في غزة، بهدف فصل جبهة لبنان عن غزة، وتحقيق ترتيبات أمنية وفق الرؤية الإسرائيلية، وهو ما يحقق ليس فقط عودة السكان إلى مستوطناتهم، بل يُعتبر هزيمة كبرى لحزب الله.
ومع ذلك، تشير الكثير من الآراء داخل إسرائيل إلى خلاف ما يحاول الجيش والمستوى السياسي الإسرائيلي الإيحاء به. على سبيل المثال، يقول الصحفي "دورون كدوش" في هيئة البث الإسرائيلية: "صحيح أن الإنجازات كبيرة، لكن تحقيقاتي تظهر أن الحزب فقد عشرات في المئة فقط من قدراته، وليس 50%". مسؤولون أمنيون يقولون: "نحن في بداية الطريق، فحزب الله يحتفظ بقدرات كبيرة في أماكن لم تصل إليها إسرائيل بعد". رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق يصرح بأن "قدرات حزب الله كبيرة، والأحداث الدراماتيكية لا تزال أمامنا". أما "يعقوب عميدور"، رئيس مجلس الأمن القومي السابق، فقد صرح بأن "إسرائيل ليست قريبة حتى من بداية تدمير قدرات حزب الله"، مشيرًا إلى أن تل أبيب بعيدة جدًا عن هزيمة الحزب. ويضيف العميد "تسفيكا حايموفيتش"، قائد الدفاع الجوي، أن "لحزب الله قدرات إطلاق صواريخ لا تنضب، وما شهدته إسرائيل خلال اليومين الماضيين لا يمثل إلا القليل مما يمتلكه الحزب".
يظهر بوضوح أن المعركة الدائرة حاليًا تجري وفق خطط محكمة وضعها حزب الله، وليس بناءً على ردود أفعال عشوائية. فالحزب يتحكم في النار بناءً على بنك أهداف فعال، وضع أكثر من مليوني إسرائيلي في الملاجئ، وحول مدينة صفد إلى مكان لا يُطاق. توسع القصف ليشمل حيفا، مما جعل 15% من الكيان الصهيوني تحت النار. الصواريخ المستخدمة تختلف في قوتها ونوعيتها، وهو ما دفع الإعلام الإسرائيلي للقول إن "صفد تحترق". الهجمات طالت القواعد العسكرية والمرافق الصناعية والمصانع الأمنية بشكل كثيف، مما يبرز فشل ادعاءات إسرائيل في تقويض قدرات حزب الله الصاروخية.
في بياناته، يواصل حزب الله التأكيد على أنه جبهة إسناد ودعم، ويضيف هدفًا جديدًا هو "دعم غزة والشعب الفلسطيني والدفاع عن لبنان وشعبه". هذا يؤكد على أهداف الحزب في هذه المعركة:
1. إفشال الفصل بين جبهة لبنان وغزة، حيث يبقي على دعم الشعب الفلسطيني، ما يفشل محاولات الضغط لفصل الجبهات.
2. إفشال العدوان الإسرائيلي والإبقاء على جذوة المقاومة، مع تحويل الشمال إلى حزام أمني وتهجير المزيد من المستوطنين.
3. إحباط مساعي تقويض الحزب من الداخل، مع التأكيد على قدرة الحزب التشغيلية والقدرة على الرد بفاعلية.
4. إدارة القصف بشكل تدريجي، مما يوحي بأن الحزب يعطي فرصة للحلول الدبلوماسية، مع استمراره في تحقيق غاياته الإستراتيجية في الإسناد والدفاع.
الخلاصة
المعركة طويلة ومعقدة وتتطلب خططًا غير تقليدية تعتمد على عمليات ردود فعل عسكرية محسوبة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية. حزب الله يثبت قدرته على امتصاص الهجمات الإسرائيلية الجوية والأمنية، والرد بشكل مؤلم ومركّز، بما يرسل رسالة واضحة إلى إسرائيل والولايات المتحدة بأن حساباتهم كانت خاطئة، وأن من بدأ الحرب لن يكون هو من ينهيها، بل إن نهايتها ستبدأ من غزة، وهذا هو القول الفصل.