السودان بين انتصارات الجيش واستحقاقات الحكم الرشيد

السودان بين انتصارات الجيش واستحقاقات الحكم الرشيد
الجيش السوداني - وادي النيل

بقلم: الدكتور كمال دفع الله بخيت 

يعيش السودان مرحلة فارقة في تاريخه السياسي والعسكري، حيث يواصل الجيش تقدمه على الأرض في مواجهة قوات "الجنجويد" التي سيطرت خلال العامين الماضيين على أجزاء واسعة من البلاد. وبينما يحظى الجيش بدعم شعبي واسع لدوره في استعادة الأمن والاستقرار، يبرز تساؤل محوري: هل سيكون الجيش مستعدًا لنقل السلطة إلى القوى المدنية بعد تحقيق الانتصار؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الدور العسكري ومتطلبات الحكم الرشيد في السودان؟

الجيش السوداني.. أكثر من مؤسسة عسكرية

يعدّ الجيش السوداني مؤسسة وطنية ذات تاريخ طويل في حماية البلاد من التهديدات الداخلية والخارجية. ومع ذلك، فإن دوره المستقبلي يطرح تحديات كبيرة، خاصة في ظل الحاجة إلى تعاون فعّال بين العسكريين والسياسيين لضمان الاستقرار.

إن نجاح الجيش لا يعتمد فقط على قوته العسكرية، بل على مدى قدرته على تحقيق التوازن بين سلطته التنفيذية ودوره كحامٍ للوطن. وهنا، تبرز أهمية شخصية القادة العسكريين ورؤيتهم لدور الجيش في المرحلة المقبلة، وهو ما سيحدد طبيعة العلاقة بين الجيش والشعب في المستقبل.

دروس من الماضي.. كيف يستفيد الجيش؟

شهد السودان تجارب متعددة لتدخل الجيش في المشهد السياسي، بدءًا من انقلاب 1958، مرورًا بأحداث 1969 و1989، وصولًا إلى المرحلة الحالية. ورغم أن هذه التدخلات كانت تهدف إلى استعادة الاستقرار، إلا أنها في بعض الأحيان أسهمت في تعقيد الأوضاع السياسية، نتيجة استغلال بعض القوى السياسية للجيش لتحقيق أجنداتها الخاصة.

لذا، فإن الدرس الأساسي الذي يجب أن يستفيده الجيش اليوم هو ضرورة العمل على تحقيق الحكم الرشيد، من خلال فتح قنوات الحوار مع القوى السياسية، وتجنب الوقوع في فخ الأزمات السياسية المتكررة التي شهدتها البلاد في العقود الماضية.

نحو حكم رشيد وتعاون استراتيجي

لكي يسهم الجيش في تعزيز الحكم الرشيد، يجب عليه تجاوز دوره التقليدي كقوة أمنية ليصبح شريكًا في بناء الاستقرار السياسي. ويتطلب ذلك تفاعلًا إيجابيًا مع الأحزاب السياسية، والاستماع إلى تطلعات الشعب السوداني، بما يضمن التأسيس لمرحلة جديدة من الاستقرار والديمقراطية.

وفي هذا السياق، فإن الشراكة بين الجيش والقوى السياسية يجب أن تقوم على أسس أخلاقية واضحة، تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات حزبية أو شخصية، كما قال الزعيم الهندي المهاتما غاندي: "السياسة بدون أخلاق هي مجرد دعاية".

سودان جديد.. نحو مستقبل مستقر ومزدهر

يظل التحدي الأكبر أمام السودان هو تحقيق التوازن بين انتصارات الجيش ومتطلبات الحكم الرشيد. فإذا تمكن الجيش من قيادة مرحلة انتقالية قائمة على الشراكة مع القوى المدنية، فإن السودان سيمضي نحو مستقبل مستقر.

أما إذا استمرت الصراعات السياسية والعسكرية دون حلول واضحة، فقد تبقى البلاد عالقة في دوامة الأزمات. وعليه، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع، لضمان أن يكون السودان نموذجًا للاستقرار، وليس ساحة جديدة للفوضى.

ختامًا

إن نجاح السودان في تجاوز هذه المرحلة يعتمد على قدرة الجيش والقوى السياسية على العمل معًا من أجل بناء دولة ديمقراطية مستقرة. فالانتصار الحقيقي لن يكون فقط في ساحات القتال، بل في قدرة السودان على تحقيق المصالحة الوطنية ووضع أسس قوية للحكم الرشيد.